جاء تعميم مصرف لبنان الأخير بعدما أعلنت المصارف انها غير قادرة على تأمين 2 مليار دولار هذا العام للالتزام بما نصّ عليه التعميم السابق لمصرف لبنان الرقم 532، الذي طالب بزيادة أموال المصارف الخاصة الاساسية بنسبة 20 في المئة من حقوق حملة الاسهم العادية كما هي بتاريخ 31/12/2018 عن طريق مقدمات نقدية بالدولار الاميركي.
في التفاصيل، يشير تعميم مصرف لبنان الجديد الى انّ المصارف ستدفع فوائد أقلّ للمودعين لكنّها ستستمر في الحصول على أسعار الفوائد المرتفعة التي تتقاضاها على إيداعاتها بالدولار الاميركي لدى مصرف لبنان، ولو أنّ 50 في المئة من تلك الفوائد ستكون بالليرة وليس بالدولار. هذا يعني انّ مصرف لبنان يقوم، عبر تلك العملية، بتمويل الزيادة المطلوبة في رأسمال المصارف، من خلال أموال كافة المودعين (الصغار والمتوسطين والكبار) وليس من حملة أسهم المصارف، كما نصّ عليه تعميمه السابق (رقم 532). كما انه عبر دفع 50 في المئة من فوائد شهادات الايداع المصدرة منه بالليرة اللبنانية، يكون قد قام بتمويل جزء من استحقاقات لبنان الدولية في العام 2020 والبالغة 4,3 مليارات دولار.
ورغم تأكيدات السلطة النقدية انّ عملية الـHaircut غير واردة، فإنّ خفض اسعار الفوائد ودفع نصف القيمة بالليرة اللبنانية، يعتبر اقتطاعاً نسبته حوالى 4 في المئة سنوياً نظراً لأسعار الفائدة السابقة على الدولار عند 8 في المئة وتراجع سعر صرف الليرة حوالى 30 في المئة لغاية الآن.
في سياق متصل، وبعد أن أكد اجتماع بعبدا المالي عدم وجود نيّة لـ”لبننة” الودائع، أي انه لن يتم تحويل الودائع بالعملات الاجنبية الى الليرة كما أُشيع في الفترة الاخيرة، وبعد أن أفاد اللقاء الشهري لجمعية المصارف مع الحاكم عن رفضها تحويل 15 في المئة من الودائع من الدولار الى الليرة، فإنّ التعميم قرّر كخطوة اولى نحو “اللبننة” تحويل 50 في المئة من الفوائد المستحقة على الايداعات من دون موافقة أصحاب الشأن أو مفاوضتهم. وفي خطوة ثانية، تتجه المصارف في الفترة المقبلة الى تحويل كافة حسابات البطاقات الائتمانية (Credit Cards) من الدولار الى الليرة.
كما انّ تعميم مصرف لبنان الاخير الذي خفّض الفائدة الدائنة على الودائع المصرفية وليس على سندات الخزينة، يشير الى انّ العجز المالي والدين العام آخذان في الارتفاع، لكن في المقابل سيكون البنك المركزي والمصارف في وضع مالي أفضل وملاءة أكبر (لأنها ستدفع فوائد أقلّ على الودائع بالدولار)، قد تمكّنها من الاستمرار في تمويل الدين العام.
في هذا الاطار، اعتبر الباحث في جامعة هارفرد والخبير الاقتصادي دان قزي انّ خفض الفوائد أدى تلقائياً الى “سجن” الودائع بعد استقطابها بفوائد عالية، حيث انها مُنعت اليوم من الخروج وتم خفض الفوائد عليها.
وقال لـ”الجمهورية” انه من الناحية العقلانية، لا يتم دفع فوائد مرتفعة إلا اذا كان هذا الاجراء اضطرارياً. مشيراً الى انّ دفع نصف قيمة الفوائد المستحقة بالليرة اللبنانية، هو فعلياً مزيد من خفض سعر الفائدة الى ما دون 5 في المئة على الدولار، لأنّ الليرة في السوق الموازية فقدت حوالى 35 في المئة من قيمتها.
في المقابل، أوضح قزي انّ خفض الفوائد سيدعم المصارف من ناحية إبطاء الاهتراء الحاصل في ميزانياتها، لأنّ معظم الكتلة النقدية بالدولار وهمية Monopoly money. وبالتالي، فإنّ رفع الفوائد على الاموال الوهمية يؤدي الى زيادة حجمها وبالتالي الى تفاقم الأزمة، «لكن لا بدّ ان تتراجع هذه الفوائد عاجلاً أم آجلاً بنسبة اكبر لتصل الى الصفر عند حلول “يوم الاستحقاق”، اي عندما يأتي اليوم الذي سيتحدّد فيه كيفية توزيع الخسائر.