ما لا شك فيه أنّ الكثير من الإقتصاديين توقف عن التعميم 536 الصادر عن حاكم مصرف لبنان والمتعلق بتعديل القرار الأساسي رقم 5258، تاريخ 1993/09/17 (القاضي بفتح حسابات ودائع بالعملة الأجنبية في مصرف لبنان. ومن الواضح أنّ المستفيد الأوّل من التعميم هم مجموعة المصارف، ولكن مما لا شك فيه، كما يؤكّد الخبير القانوني الدولي في الشؤون المصرفية والاقتصادية المحامي علي زبيب لـ”لبنان24″ ان القطاع المصرفي بشكل عام وجد متنفسا في ظلّ هذه الأزمة المالية المستفحلة.
وعليه لا بدّ من بحث تأثير التعميم على الأموال الأجنبية إلى لبنان والقروض المدينة، لجهة إمكانية إعادة الإستثمارات الخارجية المباشرة وتحويلات المغتربين من جهة، والقروض والمنح الأجنبية من جهة أخرى. والمعلوم ، كما يقول زبيب، إنّ الشهرين الأخيرين قد شهدا ارتفاعاً حاداً في العجز التجاري للدولة حيث شهدنا هروباً لرؤوس الأموال مع انخفاض ملحوظ إذا لم نقل توقفا لتحويلات المغتربين لكون الأموال التي يتم تحويلها يتم حجزها في المصرف وتقسيطها بصيغة أسبوعية بمبالغ ضئيلة بالرغم من كونها “أموال طازجةً – Fresh Money”، وهو الامر الذي يخالف جميع النظم والأعراف حتى ضمن الأزمات الشديدة وضمن الكابيتال كونترولز (في حال حصولها). وعليه فقد لجأ المغترب العامل في الخارج إلى نقل أمواله خارج القنوات الرسمية مما يؤدي إلى عدم احتساب هذه الأموال من ناحية الأرقام للتقليل من أرقام العجز.
ومن هنا، فقد حاول مصرف لبنان، بحسب زبيب، عبر التعميم 536 التقليل من حجم النزيف المالي وإعادة بعض التوازن لليرة اللبنانية كما محاولة استعادة بعض من الاستقرار الاقتصادي عبر الحد من تفاقم الإقتصاد الريعي بعد أن أطلقت منظومة الفوائد المرتفعة رصاصة الرحمة على الإقتصاد المنتج بجميع اطيافه، وذلك عبر الاستثناءات الإجرائية الواضحة وهي:
ثانياً: تسديد الفوائد على الودائع لأجل وشهادات الإيداع المودعة بالدولار بكافة فئاتها، مناصفة بالليرة اللبنانية وبالدولار، وهو الامر الذي سيبدو للعديد غير عادل، وخاصة في ظل عدم ثبات سعر صرف الليرة وتشكيل سوق موازي حيث تصل خسارة الليرة إلى 50 % من قيمتها امام الدولار (2250)، وهو الامر الذي يشكل خسارة القيمة الشرائية لهذه الفوائد، إلّا أنّه من جهة أخرى يُخفف الضغط على المصارف ويحد من نزيف الدولار ويعطي بعض الدفع لليرة اللبنانية. وهنا يورد زبيب تفصيلاً مستغرباً يتمثل في قيام المصارف بحسم ضرائب الفوائد من جزء الدولار من الفائدة عوضاً عن حسمها من جزء الليرة وهو ما يشكل خسارة إضافية للمودع.
علماً أن زبيب يتوقع ان يصدر مصرف لبنان في الأيام المقبلة تعميماً يغطي فيه أعمال المصارف خلال الشهرين الأخيرين دون إعلان كابيتال كونترول، ويبرر المصرف ذلك خوفاً من التأثير سلباً على عجز ميزان المدفوعات كون هكذا اجراء (اَي كابيتال كونترولز) سوف يقضي على اي فرصة للحصول على استثمارات جديدة قي السوق اللبناني ويحوله لقفص للدولار، مع قناعته بأن هذا الإجراء لو تمّ إقراره من اليوم الأول للأزمة لكان وفّر على لبنان كلّ هذا التدهور النقدي، إلا ان المنظومة السياسية الحاكمة بالإشتراك مع كبار التجار فرضت رأيها على مصرف لبنان، هذا بالإضافة إلى تعنت المصارف التجارية وقيامها بدور سلبي خلال الأزمة الحالية.