تعميم الحاكم.. ‘إمتحان’ لردة فعل السوق

8 ديسمبر 2019
تعميم الحاكم.. ‘إمتحان’ لردة فعل السوق

الترقب المحلي والاقليمي والدولي، سيد الموقف لجهة احتمال ان تشهد الأيام المقبلة إنفراجاً سياسياً عبر تشكيل الحكومة لتبدأ عجلة الاقتصاد بالدوران وهو الأمر الذي سيترافق مع تعميمات جديدة من مصرف لبنان لمجاراة التطورات ومحاولة التعويض عن الخسائر الجسيمة التي ضربت بنية الاقتصاد اللبناني.

ما لا شك فيه أنّ الكثير من الإقتصاديين توقف عن التعميم 536 الصادر عن حاكم مصرف لبنان والمتعلق بتعديل القرار الأساسي رقم 5258، تاريخ 1993/09/17 (القاضي بفتح حسابات ودائع بالعملة الأجنبية في مصرف لبنان. ومن الواضح أنّ المستفيد الأوّل من التعميم هم مجموعة المصارف، ولكن مما لا شك فيه، كما يؤكّد الخبير القانوني الدولي في الشؤون المصرفية والاقتصادية المحامي علي زبيب لـ”لبنان24″ ان القطاع المصرفي بشكل عام وجد متنفسا في ظلّ هذه الأزمة المالية المستفحلة.
فعدم توفر السيولة بالدولار خلق أزمة غير مسبوقة وادى الى ما يسمى bank run (وهي ظاهرة نادرة وخطيرة تتمثل بقيام جميع المودعين بسحب أموالهم دفعة واحدة نظراً لإنعدام الثقة، مما يؤدي إلى إنهيار القطاع المصرفي بالكامل وبالتالي الإقتصاد) ولكن هذه الظاهرة تتم مع وقف التنفيذ كون المصارف وضعت ضوابط على عمليات السحب بصيغة غير مشروعة وبخرق واضح لجميع القوانين المرعية الإجراء وخاصةً قانون النقد والتسليف والقانون اللبناني.
إن مصرف لبنان، ومن خلال  التعميم يعمد إلى إجراء عملية”إمتحان” لردة فعل السوق، مع العلم بأن الإجراءات التي وردت في التعميم هي غير مسبوقة أكان لناحية الشكل ام المضمون. فهذه تُعد المرّة الاولى التي يتدخل فيها المركزي في تحديد أسعار الفائدة، وهو امر يتنافى مع النظام المالي اللبناني من جهة، ومن جهة أخرى وهي الأشد خطورة بأن الحاكم اعترف ضمنياً بأن السياسات النقدية المتبعة طوال 25 عاماً وعلى رأسها الفوائد المرتفعة، حولت الاقتصاد من منتج إلى ريعي وحولت المُصنّع إلى مودع وأحدثت تدميراً تدريجياً في بنية الإقتصاد اللبناني. كل ذلك ظهر جلياً، بحسب زبيب، عندما نص التعميم على ان تخفيض الفوائد إلى 5 %؜ كحد أقصى على الودائع الدولار 8.5 % كحد أقصى على الودائع بالليرة اللبنانية، يأتي لتأمين سلامة الاستقرار النقدي وللمحافظة على الاقتصاد كما ورد في تعميم جمعية المصارف الذي جاء قبل يوم واحد من تعميم الحاكم.

 وعليه لا بدّ من بحث تأثير التعميم على الأموال الأجنبية إلى لبنان والقروض المدينة، لجهة إمكانية إعادة الإستثمارات الخارجية المباشرة وتحويلات المغتربين من جهة، والقروض والمنح الأجنبية من جهة أخرى. والمعلوم ، كما يقول زبيب، إنّ الشهرين الأخيرين قد شهدا ارتفاعاً حاداً في العجز التجاري للدولة حيث شهدنا هروباً لرؤوس الأموال مع انخفاض ملحوظ إذا لم نقل توقفا لتحويلات المغتربين لكون الأموال التي يتم تحويلها يتم حجزها في المصرف وتقسيطها بصيغة أسبوعية بمبالغ ضئيلة بالرغم من كونها “أموال طازجةً – Fresh Money”، وهو الامر الذي يخالف جميع النظم والأعراف حتى ضمن الأزمات الشديدة وضمن الكابيتال كونترولز (في حال حصولها). وعليه فقد لجأ المغترب العامل في الخارج إلى نقل أمواله خارج القنوات الرسمية مما يؤدي إلى عدم احتساب هذه الأموال من ناحية الأرقام للتقليل من أرقام العجز. 

وبالإنتقال إلى الإستثمار الخارجي المباشر، يجد زبيب أنه في حالة توقف تام، إذ لا يجرؤ أي مستثمر القيام بخطوة استثمارية في ظل أزمة اقتصادية مستفحلة وفي صلبها البنوك والمالية العامة. ومما يزيد الأمر تعقيداً وصعوبةً هو انكفاء الدول المانحة والمُقرضة عن تنفيذ أي قرارات أو حلول تمويلية بإنتظار انقشاع الأزمة وتشكيل حكومة، مما يعني أن لبنان قد يكون قد دخل في دوامة خطيرة قد تطول وهو يخسر كل يوم دون أيّ تعويض.

ومن هنا، فقد حاول مصرف لبنان، بحسب زبيب، عبر التعميم 536 التقليل من حجم النزيف المالي وإعادة بعض التوازن لليرة اللبنانية كما محاولة استعادة بعض من الاستقرار الاقتصادي عبر الحد من تفاقم الإقتصاد الريعي بعد أن أطلقت منظومة الفوائد المرتفعة رصاصة الرحمة على الإقتصاد المنتج بجميع اطيافه، وذلك عبر الاستثناءات الإجرائية الواضحة وهي:

أوّلاً عبر خفض الفوائد وهو امر جيد ولو أتى متأخراً، ولكن يُبيّن السياسات التدميرية للإقتصاد الوطني عبر اجتذاب الإيداعات في المصارف وإعطاء العوائد المرتفعة وإبعاد أصحاب رؤوس الأموال عن المنظومة الاستثمارية والتي تخلق الدورة الإقتصادية الصحية وتأتي بفرص العمل.

ثانياً: تسديد الفوائد على الودائع لأجل وشهادات الإيداع المودعة بالدولار بكافة فئاتها، مناصفة بالليرة اللبنانية وبالدولار، وهو الامر الذي سيبدو للعديد غير عادل، وخاصة في ظل عدم ثبات سعر صرف الليرة وتشكيل سوق موازي حيث تصل خسارة الليرة إلى 50 %؜ من قيمتها امام الدولار (2250)، وهو الامر الذي يشكل خسارة القيمة الشرائية لهذه الفوائد، إلّا أنّه من جهة أخرى يُخفف الضغط على المصارف ويحد من نزيف الدولار ويعطي بعض الدفع لليرة اللبنانية. وهنا يورد زبيب تفصيلاً مستغرباً يتمثل في قيام المصارف بحسم ضرائب الفوائد من جزء الدولار من الفائدة عوضاً عن حسمها من جزء الليرة وهو ما يشكل خسارة إضافية للمودع. 

هذا مع العلم ان ليس هناك مانع، كما يؤكّد الخبير القانوني الدولي في الشؤون المصرفية والإقتصادية، من أن يتحمل المودعين الذين استفادوا من الفوائد الغير منطقية طوال سنين خلت، بعضاً من أعباء الأزمة على أن لا يكونوا هم كبش المحرقة. وفي المحصلة، فإنّ ما فعله مصرف لينان هو شبيه ب “Hair Trim” – “تقليم الشعر” والذي قد يكون بمثابة إمتحاناً أو تحضيراً للـ”Haircut” – “قص الشعر” والذي يحذّر منه الجميع ويخشاه المودعين، وهو ما نفاه كل من مصرف لبنان وجمعية المصارف في كل مناسبة. 

علماً أن زبيب يتوقع ان يصدر مصرف لبنان في الأيام المقبلة تعميماً يغطي فيه أعمال المصارف خلال الشهرين الأخيرين دون إعلان كابيتال كونترول، ويبرر المصرف ذلك خوفاً من التأثير سلباً على عجز ميزان المدفوعات كون هكذا اجراء (اَي كابيتال كونترولز) سوف يقضي على اي فرصة للحصول على استثمارات جديدة قي السوق اللبناني ويحوله لقفص للدولار، مع قناعته بأن هذا الإجراء لو تمّ إقراره من اليوم الأول للأزمة لكان وفّر على لبنان كلّ هذا التدهور النقدي، إلا ان المنظومة السياسية الحاكمة بالإشتراك مع كبار التجار فرضت رأيها على مصرف لبنان، هذا بالإضافة إلى تعنت المصارف التجارية وقيامها بدور سلبي خلال الأزمة الحالية.