الحالة اللبنانية الراهنة لا تتوافق مع المعطيات الإيجابية، لكنها لم تدخل بعد مرحلة الخطر الذي يستدعي التحذير من نشاطات غير قانونية، أبرزها تزوير العملة في ظل أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة.
الفقر أرض خصبة
الفقر بيئة حاضنة لنمو المخالفات القانونية، والتعامل مع العملة المزيفة يلقى مساحة واسعة في المجتمعات الفقيرة، صكاً وترويجاً. ويساهم في ذلك انتشار المحال التجارية العشوائية وغياب تقنيات كشف التزوير، فضلاً عن انحسار تعامل الفقراء مع المصارف التي تملك القدرة على كشف الأوراق النقدية المزورة، ما يسهّل توزيع العملة المزورة على نطاق واسع. إذ تقتصر علاقة الفقراء مع العملة عموماً، على تداولها لشراء المواد الأساسية من طعام ومحروقات، ما يقصّر أمد الاحتفاظ بالعملة، فالإدخار غير وارد في قاموس الفقراء.
ومع ازدياد معدلات الفقر والحاجة للبحث عن مصدر للمال، يصبح تزوير العملة وترويجها “مهنة” مربحة ولا تحتاج إلى جهد جسدي كالكثير من الأعمال اليدوية التي يمتهنها الفقراء. ولبنان يصبح أكثر التصاقاً بالفقر، أو العكس، فالنتيجة واحدة.
وفي السياق، يرجّح البنك الدولي احتمال ارتفاع معدل الفقر في لبنان إلى 50 بالمئة مع تفاقم سوء الأحوال الاقتصادية، وذلك مع ارتفاع معدل البطالة. ويشير البنك إلى أن أعداد اللبنانيين الفقراء “لامست نحو 33 بالمئة من عدد السكان في العام 2018، في حين كانت النسبة تبلغ 27.4 بالمئة في العام 2012”.
لا خطر بعد
لم يعد الدولار متوافراً بنسبة تغطي حاجة السوق، لكن ذلك ليس كافياً للسماح بانتشار عملية تزوير العملة الصعبة، مع أن العملة المزورة موجودة في لبنان. لكن تداولها لم يصبح ظاهرة عامة. وهو ما يؤكده نقيب الصرافين في لبنان محمود مراد، الذي يشير في حديث لـ”المدن” إلى أنه في الظروف الاقتصادية الراهنة “نسمع أخباراً عن تداول عملات مزورة لكن ليس على نطاق موسّع”. ويعتبر مراد أن “الأجواء الحالية مساعدة لتوزير الدولار، وأكثر فئة محتمل تزويرها هي الـ100 دولار، لأن قيمتها ارتفعت كثيراً”. ويرجّح مراد أن “تزداد نسبة الاستغلال والتزوير في حال استمرت الأوضاع على ما هي عليه”.
وفي حال انتشاره، لن يسلك التزوير طريق الصرافين، بل سيبقى بعيداً عنهم، وهو ما يقلص قدرتهم على ملاحظته لأن “الصرافين لديهم القدرة على كشف الورقة الموزرة بنسبة 99.99 بالمئة، إما عبر الآلات أو حتى عبر ملامسة الورقة، فالصراف يعرف الورقة المزورة بمجرد النظر إليها، تماماً كما يلاحظ الطبيب التعب على المريض”.
في السياق، يستبعد الخبير الاقتصادي لويس حبيقة انتشار تزوير العملة، حتى وان تفاقمت الأوضاع الاقتصادية السيئة “فتزوير الدولار صعب جداً، لأن الأوراق الجديدة فيها من التعقيدات ما يصعب نسخها، وهذا ينطبق أيضاً على الليرة اللبنانية”. وإذ يقلل حبيقة من انتشار التزوير، يتخوّف في حديث لـ”المدن” من انتشار “السرقة وتهريب الممنوعات وبعض المواد كالدخان والمشروبات”.
ما زالت الأوضاع السياسية والبنية القضائية للدولة متماسكة، رغم صعوبة الظروف الاقتصادية والمالية. فالدولة لم تدخل بعد مرحلة الانهيار. والمجتمع لم يصل إلى حالة الفوضى التي شهدها إبان الحرب الأهلية. وهذا الانتظام يخيف المزورين. ناهيك عن أن الليرة متوفرة ولم تفقد قيمتها برغم التراجع. وهذا يقلل خطر التعرض للخداع بعملة مزورة، ويقلل شهية المزورين للمخاطرة في طباعة عملة غير قانونية… لكن على المرء الاحتياط دائماً.