ليست هذه سيناريوات افتراضية، بل هي مبنية على تقلبات فعلية لسعر صرف الليرة لدى الصرافين الذي تعدّه “Lebaneselira.org”، والمستخرج من قاعدة عمليات عدد من الصرافين في بيروت والمناطق ساعة الافتتاح وساعة الإقفال.
اللافت في هذه الإحصاءات أنه بعد مرور أكثر من شهرين على انخفاض قيمة الليرة مقابل الدولار لدى الصرافين، لم يعد السعر إلى مستوياته المحّددة من قبل مصرف لبنان على السعر الوسطي 1507.5 ليرات مقابل كل دولار، بل بات السعر متقلباً ضمن هامش يتراوح بين حدّ أدنى يبلغ 1675 ليرة وحدّ أقصى يبلغ 2243.7 ليرة فيما بدأت تتوسّع سوق الصرافين في اتجاه عمليات استيراد لم تكن تموّلها سابقاً. وبحسب رئيس نقابة الصرافين محمود مراد، فإن مجمل عمليات الصرافين اليومية بات يزيد على 20 مليون دولار نظراً الى الطلب المتزايد على الدولار المستعمل في عمليات الاستيراد، أي ما يوازي 5 مليارات دولار سنوياً أو 30% من مجمل الواردات.
في 5 كانون الأول الجاري، استعادت الليرة، بشكل مفاجئ، بعضاً من قوّتها ليصبح سعر صرف الليرة مقابل الدولار 1975 ليرة وسطياً، ثم تراجع في اليوم التالي إلى 1916.5 ليرة وسطياً، قبل أن يعود إلى سعر وسطي يبلغ 2000 ليرة السبت الماضي. كثرت التحليلات عن أسباب هذه العودة، لكن في المجمل تبيّن أن هناك أمرين تزامنا بعضهما مع بعض: نقص حاد في كميات الليرة المتوافرة لدى الصرافين، في مقابل عرض كميات كبيرة بالدولار من الزبائن لصرفها والاستفادة من السعر الأقصى. النقص بالنقد الورقي من الليرات اللبنانية كان أمراً أساسياً. فبحسب محضر اللقاء الشهري الأخير بين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعية المصارف، تبيّن أن كمية الليرات الورقية التي ضخّها المصرف خلال الشهرين الأخيرين بلغت 165 مليار ليرة يومياً، أي ما يوازي 3960 مليار ليرة شهرياً، ما دفع المصرف إلى طلب طبعة جديدة من العملات الورقية تصل في 20 الشهر الجاري. وهذا ما يفسّر شبه استقرار سعر الصرف عند الصرافين خلال الأيام الأخيرة، ولا سيما أنه لم تكن هناك تفسيرات واضحة لمصدر كمية الدولارات التي انهمرت على السوق فجأة.
السبب الرئيسي وراء هذا الطلب الكبير على العملة الورقية بالليرة أن المقيمين في لبنان يشعرون بضرورة تخزين الأوراق النقدية في المنازل، سواء كانت ليرات أو تم تحويلها إلى دولارات ورقية. وهذا السلوك ناجم عن انهيار الثقة بالقطاع المصرفي في ظل القيود الاستنسابية التي فرضها على عمليات السحب والتحويل. هذه القيود لم تقتصر على الدولارات بل على الليرة أيضاً. فمعظم المصارف اليوم تحدّد سقوفاً يومية وأسبوعية وشهرية لسحب الليرات، وهي تمتنع في غالبيتها عن تحويل الأموال من الحسابات المجمّدة التي تستحق في موعدها بالليرة إلى حسابات جارية قابلة للتحويل إلا بنسبة صغيرة جداً لتحدّ من الطلب الكثيف على سحب الليرات الورقية بهدف تحويلها إلى دولارات لدى الصرافين. حتى إن كثيرين ممن يتقاضون رواتبهم بالليرة لم يتمكنوا من سحب ما يكفي لسد حاجاتهم المعتادة.
فوق ذلك كلّه، أصدر مصرف لبنان تعميماً يخفض فيه سقوف الفوائد على الليرة إلى 8.5% وعلى الدولار إلى 5% من دون أن يخفض سقوف الفوائد على توظيفات المصارف لديه، ما ترك انطباعاً بأن الهدف من كل هذه الإجراءت هو حماية المصارف وضرب المودعين، وهو ما يعزّز سقوط الثقة بالنظام المصرفي كمركز لمدخرات اللبنانيين.
وبما أن التعميم مبني على فرضية وجود «كابيتال كونترول»، وبما أنه انطوى على عملية «هيركات» واضحة لجهة اقتطاع فوائد مستقبلية من ودائع الزبائن من دون المساس بتوظيفات المصارف لديه، كما أنه فرض على المصارف دفع نصف الفوائد على ودائع الدولار المجمّدة بالليرة اللبنانية، ارتفع منسوب التدهور في الثقة بالقطاع المصرفي، وشعر المودعون بأن أموالهم محكومة في سجن المصارف وأنها ستتآكل بفعل عمليات الاقتطاع من الفوائد المستقبلية وبفعل التضخّم. الحسابات التي أجريت تشير إلى أن الأثر الناتج من انخفاض قيمة الليرة لدى الصرافين بمعدل 10% سيرفع نسب التضخم إلى 7% سنوياً، أما إذا انخفضت قيمة الليرة 32.8% فسيبلغ التضخّم 30% وسيأكل معه 55482 مليار ليرة من مجموع الودائع، أو سيأكل 19987 مليار ليرة من ودائع الزبائن بالليرة اللبنانية. وفي سيناريو آخر مبني على أساس سعر الصرف يوم الإقفال الأخير، فإن التضخّم سيكون بحدود 20% وسيأكل معه 36988 مليار ليرة من مجمل الودائع، أو 13325 مليار ليرة من الودائع بالليرة.
مهما يكن السيناريو، فإن مدّخرات اللبنانيين تآكلت بنفس مستوى تآكل قدراتهم الشرائية، وهذه حسابات لا تدخل فيها عوامل الاحتكار والتلاعب بالأسعار”.
55482 مليار ليرة من ودائع اللبنانيين ستتبخر.. هذا جديد سعر الدولار
كتب محمد وهبة في صحيفة “الأخبار” تحت عنوان ” التضخّم يلتهم 20% من الودائع”: “خلال الشهرين الأخيرين، تراوح هامش انخفاض قيمة الليرة لدى الصرافين بين 10% كحدّ أدنى و32.8% كحدّ أقصى، وأقفلت السوق على انخفاض بقيمة 24.7%. انعكاس هذه الأسعار سيكون هائلاً على القدرة الشرائية للبنانيين وعلى مدخراتهم التي صارت مسجونة في دفاتر المصارف وخزناتها. تضخّم الأسعار سيأكل أكثر من 20% من الودائع بأسعار صرف الليرة يوم الإقفال الأخير، أي يوم السبت الماضي، أما إذا انخفضت قيمة الليرة إلى 32.8% كما حصل يوم 22 تشرين الثاني (يوم عيد الاستقلال للمصادفة)، فإن ودائع الزبائن ستتبخّر بنسبة 30% أو ما قيمته 55482 مليار ليرة.