لا شك أنّ مجموعة من التحديات تنتظر أي حكومة جديدة، ترغب في أن تبدأ العمل على الخروج من الحفرة العميقة التي وصل اليها البلد، لعلّ أهمها ما يتعلق بالتحديات التالية:
أولاً – كيف سيتم فصل القرار الانقاذي الاقتصادي عن القرار السياسي. حكومة دياب، واذا سلّمنا جدلاً انها ستضم شخصيات من الاخصائيين المستقلين، كيف ستتخطى حقل ألغام الصراعات السياسية المرتبطة عضوياً بالقرارات الاقتصادية والمالية؟ على سبيل المثال، كيف ستُقنع هذه الحكومة الفريق السياسي الذي تدين له بوجودها بأهمية التعاون مع صندوق النقد الدولي، في الاتفاق على تفاصيل خطة الانقاذ؟ وبالمناسبة، يمتلك هذا الفريق الاكثرية النيابية الكفيلة بتعطيل أي قرار تتخذه الحكومة، ويحتاج الى التشريع في المجلس النيابي.
ثالثاً – في الموضوع الاساس المرتبط بإعادة تكوين «المخزون» المالي في البلد، لجهة اعادة رسملة القطاع المصرفي، أو لجهة معالجة العجز في المالية العامة، أو بالنسبة الى إعادة تنشيط القطاع الخاص بكل مرافقه، هذا الملف يحتاج توافقاً سياسياً يسمح بإقرار مجموعة قوانين في مجلس النواب. فكيف سيتم تأمين الاجماع السياسي لضمان إمرار هذه القوانين؟ على سبيل المثال، مشاريع الخصخصة لا تزال من الملفات التي يدور حولها خلاف سياسي حاد. كذلك توجد خلافات سياسية في العمق حول دور المصارف، ومن البديهي انه سيكون هناك «صراع» على الطريقة التي ينبغي اعتمادها لإعادة رسملة هذا القطاع، والاتفاق على دوره في المستقبل.
رابعاً – ما هي الطريقة التي ستُعتمد في مقاربة بعض الامور التي يُفترض انها بديهية وبسيطة، لكنها في العمق ليست كذلك؟. على سبيل المثال، كيف سيتم تجاوز مشكلة تعيين مجالس ادارة، أو هيئات ناظمة لمؤسسات حيوية مثل الكهرباء مثلاً؟ هل ستتخلّى القوى السياسية عن حصصها ايضاً في هذه التشكيلات، وتمنح دياب مع وزرائه حرية الاختيار من دون الاخذ في الاعتبار الهوية السياسية لكل عضو يتم ضمّه الى هذه المجالس والهيئات؟ وهل ستتخلّى القوى السياسية، لاسيما منها من كان يسيطر حتى الامس القريب على كل مفاصل التعيينات، عن هذا الامتياز الحيوي في المنظومة السياسية اللبنانية؟
في النتيجة، هناك حقائق سياسية وحقائق مالية واقتصادية على الحكومة، اذا تشكلت في المرحلة القصيرة المقبلة، أن تواجهها. ولعلّ السؤال الاول الذي سيكون عليها الاجابة عنه: هل نستمر في دفع مستحقات الدين قبل الاتفاق على خطة إنقاذ، أم نعطي الاولوية لضمان استيراد المواد الاساسية (محروقات، غذاء، دواء وسلع حيوية)؟ وهنا تنبغي الاجابة عن سؤال آخر: هل من المنطقي الاستمرار في دفع المال، سواء لسداد الدين، أو لاستيراد السلع الحيوية، اذا ما تبيّن ان كل دولار يخرج من مصرف لبنان، أو من المصارف يقلّص فرص استعادة ودائع الناس كاملة، أو يزيد في النسبة التي سيتم اقتطاعها من هذه الودائع عندما يحين الموعد؟
على سبيل المثال أيضاً، لا يستطيع “وزير محظي” أن يجزم أمام وفد صناديق استثمارية عالمية جاء يستطلع الاجواء، انّ لبنان سيدفع مستحقاته من الديون في موعدها، بصرف النظر عن وضعه المالي، وحتى لو جاع اللبنانيون فإنهم يفضّلون السداد على التخلّف. هذا الموقف، دفع أعضاء الوفد الى الخروج غير مطمئنين على عكس ما أراده الوزير من كلامه، لأنّ المبالغة هنا بَدت غير حقيقية. وبالتالي، لم يستطع هؤلاء الوثوق بأنّ ما سمعوه سيُنفّذ فعلاً، لأنه لا يمكن التصديق انّ سداد الدين يمكن أن يحصل في ظل المجاعة؟
كذلك، لم يشعر الزوّار (ممثلو الصناديق العالمية) بالارتياح، بل أرعبهم ما سمعوه من وزير آخر يُلقي عليهم محاضرة في “الوطنية” التي تمنع على لبنان التعاطي مع صندوق النقد الدولي في المستقبل بغية التعاون ووضع خطة إنقاذية للخروج من الأزمة المالية، لأنّ لبنان حسب تعبيره يرفض هذا النوع من الوصايات عليه!