تحت عنوان: “تجار لبنان يكافحون لإنقاذ “معيشتهم”، كتبت القبس الدولية:
في وقت تطلق الجمهورية اللبنانية احتفالات مئوية اعلان “لبنان الكبير” على يد الانتداب الفرنسي، الذي اسس إلى الجمهورية اللبنانية بعد استقلال 1943، عاد اللبنانيون بالذاكرة وبالواقع إلى فترة الحرب العالمية الأولى 1915- 1918، حيث واجه الاجداد، مجاعة اودت بحياة عشرات الالاف.
واذا كانت مجاعة القرن الماضي سببها غزو الجراد في عام 1915، والذي دمرت على إثره معظم المحاصيل الزراعية، وبعده كان حصار الحلفاء على لبنان ما منع دخول السلع خشية من وقوعها في أيدي القوات العثمانية، فإن الفساد الاداري والسياسي هو سبب المجاعة التي تهدد اللبنانيين العام المقبل.
يأتي ذلك فيما مؤشرات الانهيار المالي تزداد يوما بعد يوم بعد ان انخفضت نسبة السيولة، حيث يجد آلاف اللبنانيين أنفسهم مهددين بخسارة وظائفهم، فيما تعمد مؤسسات عديدة الى اقتطاع قسم من الرواتب، وتفرض المصارف منذ أشهر إجراءات مشددة على سحب الأموال، ولا يستطيع المواطنون سحب سوى قسم محدود من رواتبهم.
وفي بلد يعتمد على الاستيراد بشكل أساسي، ومع عدم توافر الدولار وظهور سوق مواز لسعر الصرف، ارتفعت أسعار المواد الاستهلاكية، وخصوصاً المستوردة منها، بشكل جنوني حاد، دون وجود سلطة رقابية رادعة.
ونكأت الأعياد هذا العام جرح الكثيرين ممن يعانون شظف العيش وغياب الدخل، فأصبح أقصى أماني الكثير من أبناء الشعب اللبناني تأمين أدنى مقوّمات العيش. وكشف جواد عدرا، رئيس مركز الدولية للمعلومات (غير حكومية)، في تغريدة له، أن 200 ألف لبناني ليس لديهم الأساسيات من ملبس ومسكن. في وقت يقدر البنك الدولي ومنظمات الأمم المتّحدة والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد ان عدد الفقراء في لبنان يقارب مليون مواطن. فيما حذرت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، من أن تصبح المستشفيات في لبنان قريبا، عاجزة عن تقديم الجراحة المنقذة للحياة والرعاية الطبية العاجلة للمرضى، جراء الأزمة المالية. ونقلت وكالة الاناضول عن رجل خمسيني يقطن الضاحية الجنوبية لبيروت قوله ان “الناس أصبحت تتسوّل، لا أموال لدينا والمصارف غير قادرة على إعطائنا أموالنا”.
أمّا أسامة، رجل أربعيني، فيقول: “بلد تعبان، الأسعار ارتفعت.. هناك غلاء واضح”.
تجار يكافحون
وبات التجار اللبنانيون يكافحون من أجل البقاء، وهم ايضا معرضون كغيرهم لهذه الأزمة المعقدة والتي ربما تطول. فبعد عقود من الجهد والخبرة المتراكمة، ظنّ روجيه زخور (61 عاماً) الذي يمتلك معملاً ناجحاً لصناعة الشوكولا، أنه سيتركه إرثاً قيماً لابنته، لكنه وجد نفسه فجأة وسط انهيار اقتصادي متسارع يجتاح لبنان، بحسب ما قال لوكالة فرانس برس. وبدلاً من أن يجني الأرباح في فترة عيد الميلاد كما في كل عام، ينهمك وابنته الثلاثينية بتخفيض أسعار كعك العيد الذي يشتهر به معملهم.
ويقول زخور في متجره الصغير، الذي بات مقصداً لأفخم الفنادق اللبنانية والزبائن الميسورين، “إذا بقي الوضع على حاله، سأفلس خلال أشهر»، ويضيف «نتجه نحو مكان لم نكن نتخيل يوماً أن نصل إليه”.
“ينتهي الأمر”
ويستورد زخور كل المكونات التي يحتاج إليها في عمله من الخارج، ويدفع سعرها بالدولار أو اليورو. أما اليوم، ونتيجة إجراءات المصارف، فلم يعد بإمكانه تأمين العملة الأجنبية لدفع مستحقاته. ويقول «حين تنفذ المكونات المطلوبة لصناعة أحد الأصناف، ينتهي الأمر» دون تجديده.
وعلى غرار زخور، يعاني لبنانيون كثر من انهيار الوضع المالي، ومنهم من اضطر إلى إغلاق مصدر رزقه ومنهم من تعرّض للصرف من عمله. وقد تقدمت عشرات الشركات لوزارة العمل بطلبات صرف جماعي.
إزاء هذا التدهور، فكّرت معلمة الحضانة ليا كريدي وعائلتها بحلّ، وتقدمت بمبادرة تقضي بالترويج للمنتجات اللبنانية. وأطلقت العائلة حملة على موقع “فيسبوك” بعنوان “صنع في لبنان – نبض لبنان صناعته” لمساعدة المنتجين المحليين على الترويج لبضائعهم. وتقول كريدي لـ”فرانس برس”: “كنا معتادين إذا ذهبنا إلى السوق أن نشتري من دون أن ننظر ما إذا كان المنتج صنع في لبنان أو لا”. وبدلاً من الذهاب إلى السوبر ماركت الضخمة للتبضع، باتت كريدي تفضل محل البقالة الصغير في بلدتها الواقعة شمال بيروت.
وفي عيد الميلاد الحالي، ونتيجة الأزمة، اكتفت كريدي وأقرباؤها بشراء الهدايا لأطفال العائلة فقط وجميعها صُنعت في لبنان.
لكن بالنسبة الى آخرين، لا يمكن اختصار الوضع باستبدال منتجات بأخرى، فالوضع الاقتصادي صعب والأعباء المعيشية تتفاقم.
وفي متجر في بيروت، تتنقل مريم رباح (35 عاماً) من ممّر إلى آخر. تنظر بتمعّن إلى أسعار المنتجات التي ارتفعت بشكل حاد لشراء ما يلزمها من دون أن تضطر إلى إنفاق الكثير. وتقول “كل شيء بات أغلى، فيما انخفضت رواتبنا إلى النصف”.
اللجوء إلى الزراعة
وجراء الغموض الكبير الذي يعشيه الناس، وحالة الهلع، عمد بعد الناس إلى التمون تحسبا للأسوأ، في حين استعادت جمعيات واحزاب سياسية زمام المبادرة، وعملت على حث الناس على الزراعة لتأمين الموارد الغذائية الاساسية خلال المرحلة المقبلة وتلبية الحد الادنى من مقومات الصمود، وتقول عبير زهر الدين، وهي أستاذة علوم انه تم زرع آلاف الدونمات من الاراضي ومئات الاطنان من الحبوب في جبل لبنان الجنوبي من خلال مشروع متكامل من البذور الى الحراثة الى تأمين معدات الحصاد بمبادرة من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.
كما قامت مجموعات من الحراك المدني بالتواصل مع اصحاب الاراضي المهملة لاستصلاحها وزراعتها هذا الموسم في العديد من قرى جبل لبنان والجنوب وعكار. وكتب جنبلاط عبر حسابه في “تويتر” ان: “زراعة القمح وغيره من الحبوب ليست الا الخطوة الأولى للصمود واعتماد نمط اقتصادي إنتاجي تعاوني بدل اقتصاد الخدمات السابق الذي انتهى”. وكذلك عمدت الاديرة والرهبانيات على زراعة الأراضي التابعة لهذه الأديرة.