الأزمة التي يواجهها قطاع التأمين اليوم تعود إلى عدة أشهر وتتجّه إلى تفاقم. هي أزمة مزدوجة ترتبط بشكل أساسي بشح السيولة، وبالقيود القاسية التي تفرضها المصارف على حركة التحويلات المالية. فالأزمة الأولى ليست وليدة اليوم. وتتلخّص بتعرّض أموال شركات التأمين إلى مخاطر عالية، لاسيما أن غالبية أقساطها موظّفة لدى المصارف، وبسندات الخزينة. ومن المحتّم أن يرتفع خطر إفلاس عدد من الشركات بالتلازم مع الخطر الداهم على المصارف ومالية الدولة.
أما الأزمة الثانية فترافقت مع بداية أزمة شح الدولار. ومن المتوقع تفجرها في المرحلة المقبلة، ما لم تنجلِ الأزمة المالية المصرفية. وتتلخّص بعجز شركات التأمين عن الالتزام بعقودها المُبرمة مع معيدي التأمين خارج لبنان، لصعوبة تحويل الأموال. الأمر الذي يدفع ببعض الشركات إلى فك عقودها مع معيدي التأمين. وهو ما حصل مع أكثر من شركة وفق مصدر في قطاع التأمين. فماذا يعني فسخ شركة التأمين عقدها مع معيد التأمين؟
بداية، لا بد من التوضيح بأن إعادة التأمين هي عملية توزيع للأخطار، التي تقع على عاتق شركة التأمين، وذلك بإعادة كل أو جزء كبير من تلك الأخطار لدى معيدي التأمين. وهم شركات خارجية أو محلية. وبموجب العقود المُبرمة بين الطرفين، يتعهد معيد التأمين بأن يعوّض شركة التأمين عن جزء من الخسارة التي تتحملها، بموجب عقد التأمين الأصلي. وذلك بقيام الشركة بسداد قسط إعادة التأمين إلى المُعيد.
ما يحصل مع شركات التأمين اللبنانية اليوم هو عجزها عن الالتزام مع معيدي التأمين، لصعوبة التحويلات المالية من جهة، ولتراجع حجم أقساط التأمين المحصّلة من الزبائن من جهة أخرى، بسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة القائمة في البلد. ووفق المصدر فإن الشركات التي فسخت عقودها مع معيدي التأمين معرّضة لإعلان إفلاسها في أي لحظة، في حال واجه أحد زبائنها حادثاً يتطلب تعويضاً مالياً تعجز عن تأمينه.
وهذه الحالة، أي فك الارتباط مع معيد التامين، حصلت فعلاً مع إحدى الشركات في وقت سابق، والتي اضطرت إلى إعلان إفلاسها، بعدما عجزت عن تغطية مليوني دولار، قيمة تعويض التأمين على أضرار لحقت بباخرة مؤمّنة لديها. وهنا تكمن أهمية معيد التأمين الذي يتقاسم المخاطر مع الشركة.
ترتفع المخاطر على شركات التأمين وتتعرض للإفلاس بعد فك ارتباطها مع معيد التأمين، لسبب أساسي هو أن رأسمال شركة التأمين اللبنانية -وفق ما يفرض عليها القانون- لا تتجاوز 3 مليون دولار، والشركة الأجنبية 6 مليون دولار. وخير مثال شركتا MAINS وLIBERTY اللتان أفلستا، وشطب إسميهما من لائحة شركات التامين، بعد فك ارتباطهما مع معيد التأمين لعجزهما عن السداد.
وفي مثال على تعويضات التأمين، نلمس مدى هشاشتها ما لم تستعن بمعيد تأمين ذي ملاءة عالية. ففي لبنان يقع سنوياً ما يقارب 500 قتيل جراء حوادث السير باستثناء الجرحى. وإذا احتسبنا التعويض على كل ضحية حادث سير وفق ما يجيزه القانون بين 100 و150 مليون ليرة، يكون ذلك كافياً لإفلاس عشرات شركات التأمين اللبنانية، ما لم تتقاسم مخاطرها مع معيدي التأمين.
وتجنّباً لفك العقود مع معيدي التأمين، تعتمد اليوم بعض شركات التأمين لاسيما الصغيرة منها، إجراءات تساعدها على الصمود، ومنها تقاسم الأقساط لمعيدي التأمين. بمعنى أن كل شركة تقوم بالتعاقد مع معيد تأمين على فئة من خدماتها، إما تأمين على الحياة أو تأمين على المركبات أو تأمينات طبية أو غيرها، فتقوم شركتين أو أكثر بالتعاون فيما بينها وتبادل الخدمات لجهة تغطية الأخطار.
وإذ يحذر المصدر في حديثه إلى “المدن” من خطر إفلاس أكثر من شركة تأمين، في الأشهر القليلة المقبلة، يؤكد نائب مدير إحدى شركات التأمين (فضل عدم ذكر اسمه) بأن الأزمة قائمة فعلاً، وعدد قليل من الشركات ما زالت تسيّر أمورها المالية، لاسيما تلك التي تمتلك فروعاً في الخارج، كاشفاً عن تراجع حجم الأعمال بنسبة 60 في المئة في الأشهر الأخيرة، ليُضاف إلى عجز عدد كبير من الشركات عن السداد لمعيدي التأمين. لاسيما أن الشركات تتعامل مع الناس وتعتمد على الأقساط التي تستوفيها منهم ليختم: “الأزمة باتت ككرة ثلج تتدحرج وتكبر والقدرة على الصمود تتفاوت بحسب ملاءة وإدارة كل شركة”.