تسهّل وزارة الطاقة في حكومة تصريف الأعمال سرقتنا من قبل الشركات المستوردة للمحروقات، بشكل وقح، منذ نحو أسبوعين ومرشّحة للاستمرار.. ويساهم وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال، ريمون غجر، شخصياً بسلب المواطن اللبناني ما لا يقل عن 500 ليرة عن كل صفيحة بنزين، ومثلها عن كل صفيحة مازوت.. والسبب، عدم توقيع جدول تركيب أسعار المحروقات كل يوم أربعاء، بذريعة أن لا صلاحيات بيده للتوقيع! ذريعة غياب الصلاحيات، لحرمان المواطنين من انخفاض طال أسعار المحروقات على مدى أسابيع، إنما يخفي وراءه تواطؤاً فاضحاً بين الوزارة والشركات المستوردة.
ولا يقتصر التواطؤ على عدم توقيع جدول تركيب الأسعار الأسبوعي، بل أيضاً على ما يدور في كواليس الوزارة، من محاولات لاستصدار قرار بعد نيل الحكومة الثقة، يجيز للوزير تعديل جدول تركيب الأسعار، بما يتوافق مع تغيّر سعر صرف الدولار. بمعنى آخر يسعى الوزير إلى تحميل المواطنين فارق سعر الصرف عن الـ15 في المئة من قيمة البضائع، نيابة عن شركات الاستيراد التي يقع على عاتقها تحمل الفارق.
فضيحة 1
نبدأ من “فضيحة” جدول تركيب الأسعار وتواطؤ الوزارة. يمتنع الوزير غجر عن توقيع جدول تركيب أسعار المحروقات منذ دخوله الوزارة، بحجة أن لا صلاحيات تسمح له بالتوقيع، وفق ما نقل عنه أحد الحاضرين في لقائه مع وفد أصحاب محطات المحروقات. وبالتالي، غاب جدول تركيب الأسعار يوم الأربعاء 22 كانون الثاني والأربعاء 29 كانون الثاني ومن المرتقب غيابه كل يوم أربعاء، الى حين نيل الحكومة الثقة، وبذلك تعتمد المحطات سعر مبيع البنزين والمازوت والغاز وفق التسعيرة الأخيرة، المحدّدة في جدول تركيب الأسعار الموقع من الوزيرة السابقة ندى البستاني. وهنا لا بد من السؤال، هل من مستند قانوني يجيز للوزيرة البستاني توقيع 11 جدول تركيب أسعار (على مدار 3 أشهر من الأربعاء 6 تشرين الثاني 2019 وحتى الأربعاء 15 كانون الثاني 2020) ويمنع الوزير غجر من ذلك؟ علماً أن الوزيران في حكومة تصريف أعمال.
توقيع جدول تركيب الأسعار يندرج حكماً في خانة تصريف الأعمال. وعدم توقيعه يسجّل مخالفة وتقاعساً من قبل الوزير غجر عن ممارسة مهامه، كوزير للطاقة في حكومة تصريف الأعمال، وفق مصدر قانوني. ومبدأ تصريف الأعمال يستثني فقط الملفات والإجراءات التي ترتّب أعباء مالية على الحكومة الجديدة.
من هنا، يمكن الاستنتاج بأن مماطلة الوزير وتمنّعه عن توقيع جدول تركيب الأسعار الأسبوعي، إنما يخفي حيلة لإرضاء المستوردين، ومن بينهم الوزارة نفسها. إذ باتت تحوز حصة من الاستيراد تقدّر بـ10 في المئة. لاسيما أن أسعار المحروقات تراجعت في الأسبوعين الماضيين تماشياً مع أسعار النفط العالمية، وفق ما يؤكد أحد أعضاء نقابة أصحاب المحطات. ما يعني أنه كان مقدّراً انخفاض صفيحتي البنزين والمازوت ما يقارب 500 ليرة. وهو ما لم يحصل، بسبب عدم توقيع الوزير على جدول تركيب الاسعار. وباحتساب الـ500 ليرة التي سُلبت من كل مواطن عن كل صفيحة، خلال الأسبوعين الماضيين، تكون الوزارة قد مرّرت للمستوردين أرباحاً بملايين الليرات من دون وجه حق.
فضيحة 2
يبدو أن وزير الطاقة الجديد لم يلتمس الصعوبات المعيشية التي يواجهها المواطن اللبناني، ولا الغلاء الفاحش الذي يضرب الأسواق. إذ أنه يتّجه إلى رفع الغبن اللاحق بمحطات المحروقات بسبب تهرّب الشركات المستوردة من مسؤولياتها، ليلقي به على عاتق المواطنين.
ما حصل أن محطات المحروقات تعاني منذ 5 أشهر من استنزاف جعالتها، المقدّرة بـ 1900 ليرة للبنزين و1400 ليرة للمازوت، من جراء إلزامها من قبل شركات الاستيراد ومنشآت النفط شراء المحروقات بنسبة 15 في المئة بالدولار والباقي بالليرة. وليس هذا وحسب، فالشركات المستوردة تفرض على المحطات سداد 15 في المئة بالدولار على مجمل البضائع وليس على أصل سعر صفيحة البنزين. بمعنى آخر، تتقاضى بالدولار ثمن 15 في المئة من مجمل البضائع بما فيها رسوم الاستيراد والضريبة وغيرها. علماً أن جميعها تُستوفى بالليرة اللبنانية.
“بلطجة” الشركات المستوردة يتم على مرأى من الوزارة. وفي حين عجزت الوزيرة السابقة البستاني عن حل الأزمة بشكل يرضي جميع الاطراف، لعب الوزير الجديد غجر دور البطولة في إيجاد “حل نهائي”، من المرتقب إقراره مباشرة بعد نيل الحكومة الثقة. وهو تكليف المواطن اللبناني عبء فارق سعر صرف الدولار الذي تتهرّب الشركات من تحمّله.
فالوزير غجر أكد أحقية مطالب أصحاب محطات المحروقات، خلال زيارتهم له الاسبوع الفائت، ووجوب وقف الخسائر التي يتكبدونها بأسرع وقت ممكن. لكنه بدلاً من رفع الغبن عن المحطات وتحميله إلى الشركات التي تجني أرباحاً طائلة تقدّر بنحو 450 مليون دولار سنوياً، قرّر وضع آلية قانونية لتعديل جدول تركيب الأسعار، وفقاً لتقلبات سعر صرف الدولار الحقيقي في الأسواق حيث يشتريه أصحاب المحطات، من دون أن يراعي أو يلتفت إلى قدرة المواطنين على تحمّل المزيد من الأعباء عن طريق رفع أسعار المحروقات.
“شركات الاستيراد أقوى من الدولة”. هذه النتيجة لم تعد خافية على أحد. والدولة من دون شك متواطئة على حساب المواطن، إن لجهة محاولة وزارة الطاقة رفع الغبن عن المحطات وإلقائه على كاهل المواطن، أو لجهة تقاعس وزارة الاقتصاد، لعدم فرضها على الشركات المستوردة تسلّم كامل البضائع بالليرة.