حماية المصارف
أدت إجراءات المصارف المطبَّقة منذ شهر أيلول 2019، إلى تراجع سعر صرف الليرة والتحضير لـ”بداية الانهيار الاقتصادي”، وفق ما أعلنه رئيس جمعية المستهلك زهير برّو، الذي أشار خلال ندوة أقيمت يوم الاثنين 3 شباط، حول “سبل حماية المودعين في لبنان”، إلى أن إجراءات المصارف ساهمت بتراجع القدرة الشرائية “إلى ما بين 50 و60 بالمئة، وارتفاع معدل الأسعار لأكثر من 40 بالمئة، وانتشار البطالة والفقر بمعدلات مخيفة لم تشهدها البلاد طيلة 16 سنة من الحرب الأهلية”.
اللافت أن إجراءات المصارف التي يغطّيها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، كانت تستند إلى محاولة التخفيف من السحوبات المالية التي تقلّص السيولة. وبالتالي، تقلّص قدرة المصارف على تلبية طلبات مودعيها. في حين أن المصارف سمحت لأصحاب الودائع الكبيرة بتهريب أموالهم إلى الخارج، من دون السؤال عن آثار إخراج تلك الكميات دفعة واحدة. فالمصارف أخرَجَت في العام 2019، نحو 15.3 مليار دولار، كلّها من حسابات يفوق حجمها المليون دولار، في حين ان الحسابات التي يقل حجمها عن مليون دولار، أخرَجَت نحو 355 مليون دولار. وهذا ما خفَّض رصيد ودائع الزبائن في العام نفسه، من 170.3 مليار دولار إلى 154.6 مليار دولار.
لم يحرّك المصرف المركزي ساكناً، وكذلك مجلس النواب، وخصوصاً الكتل النيابية التي تدّعي الحفاظ على القانون والدولة والمصلحة العامة. وأيضاً، لم يلتفت القضاء إلى عملية التهريب تلك. بل أبعد من ذلك، وبدل التحرّك ولو متأخراً، تستمر الدولة “بالتخلي عن وظيفتها لصالح جمعية المصارف، عبر تغطية انتهاكاتها بقرارات وتعاميم ومراسيم وقوانين”، حسب الصحافي محمد زبيب، الذي رأى باسم “تجمع مهنيات ومهنيين”، أن جمعية المصارف تضغط على السلطتين التشريعية والتنفيذية لتأمين التغطية القانونية. وهو ما يدفع المعترضين إلى اعتبار أن “الساحة القضائية هي من أهم الساحات في معركة الدفاع عن النفس التي نخوضها مع المصارف. إلى جانب الضغوط التي يجب أن تتواصل في الشارع، للمطالبة بحقوقنا من دون أي انتقاص”.
استيلاء على السلطة
استسهال جمعية المصارف إصدار القرارات من دون حسيب أو رقيب، وتنفيذها بوصفها قانوناً أو دستوراً لا يمكن المس به، يُشكّل بالنسبة إلى المدير التنفيذي لـ”المفكرة القانونية” نزار صاغية، “أكبر عملية خروج جماعي ومنسّق عن القانون. وهذا الواقع يشكل الشاهد الأبرز على تخلي السلطة العامة عن حماية مواطنيها، والإذعان لحكم الجهة المعتدية عليهم”.
لذلك، اعتبر صاغية في حديث لـ”المدن”، أن جمعية المصارف باتت “قطاعاً خارجاً عن القانون، مثل الكسارات ومولدات الكهرباء وصهاريج المياه.. وغيرها”. ويكبر خطر هذا الواقع بسبب كبر حجم القطاع المصرفي واعتدائه على الناس، كما أنه “يستولي على السلطة التشريعية، التي لها وحدها الحق في تقييد حقوق الملكية، وهناك قوانين تنظّم ذلك”.
لوقف تقدّم المصارف باتجاه تحقيق المزيد من الانتصارات على حساب القانون والدولة، يضع صاغية ثقته بالقضاء، داعياً إياه إلى التحرك لمنع جمعية المصارف من الضغط نحو الاستحصال على قوانين تحميها، وتشرّع قراراتها بحق صغار المودعين، لأنه في حال استحصلت الجمعية على قوانين، تكون المعركة قد انتقلت “من حالة اللاقانون التي تسير ضمنها المصارف، إلى معركة تفسير ما هو القانون العادل”.
ولحين تدخّل القضاء لوقف استباحة الحقوق الفردية والعامة، تعمل المفكرة القانونية وجمعية حماية المستهلك على تقديم شكاوى جماعية بحق جمعية المصارف، أمام النيابة العامة التمييزية.
سقط النموذج المصرفي الذي تغنّت السلطة السياسية بقوّته. فازدياد الإجراءات التعسفية هو مؤشر على تخبّط القطاع المصرفي، وعدم قدرته على ضبط إيقاع سقوطه الذي سيتكشّف بوضوح مع الوقت. أما اطلاق السلطة السياسية العنان للمصارف لتشريع ما يخدم مصالحها، وفق قاعدة الأمر الواقع، فهو دليل على ترنّح السلطة أيضاً. وفي هذه الحالة، ما على القضاء إلاّ قطف الثمار الإيجابية، والتدخل لحماية مصالح الناس والدولة.