كتبت رنى سعرتي في ” الجمهورية”: على عكس ما كان ينتظره بعض المتفائلين من تأليف الحكومة وبيانها الوزاري الذي قد يسمح بانفراج مالي واقتصادي، فانّ الوضع المالي والنقدي يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، وتتشدّد الإجراءات والضوابط على رأس المال أكثر فأكثر.
عمدت المصارف قبيل صدور تعميم مصرف لبنان المُنتظر، والذي من شأنه ان يوحّد الضوابط التي تطبّقها المصارف، الى خفض سقف السحوبات النقدية مجدّداً نتيجة لتفاقم أزمة نقص السيولة بالعملات الاجنبية، لتصبح عمليات السحب النقدي المسموح بها كلّ 15 يوماً وليس أسبوعياً، بمعدّلات أدنى تبلغ 600 و500 دولار شهرياً، حتّى انّ عدداً من المصارف يسمح بسحب 100 دولار فقط شهرياً، في حين يدفع مصرف آخر القيمة المسموح بها بأوراق نقدية من فئة دولار واحد.
هذه العوامل المُخيفة دفعت المودّعين أخيراً الى التوجّه نحو خيارات بديلة ومبتكرة، تمكّنهم من إنقاذ أموالهم العالقة في المصارف عن طريق استثمارها في العقارات والذهب واللوحات الفنية وحتى السيارات الفخمة، خشية إنهيار القطاع المصرفي.
يحتلّ القطاع العقاري صدارة خيارات المودعين، بسبب سهولة ايجاد مطور عقاري يقبل البيع مقابل شيكات مصرفية، نظراً لأنّ معظم المطوّرين العقاريين مضطرون الى تسديد استحقاقات كبيرة للمصارف شهرياً بفوائد مرتفعة تفوق قدراتهم المالية في ظل الركود الاقتصادي. وقد بدأت منذ تشرين الثاني الماضي تنتشر إعلانات ترويجية لعقارات للبيع في لبنان او في قبرص واليونان، على ان يتمّ الدفع في لبنان. حيث يُفضّل البعض شراء شقة أو حتى أرض في الخارج خوفاً من إنهيار الأسعار في لبنان.
في هذا الاطار، أشار الخبير العقاري رجا مكارم لـ”الجمهورية”، انّ هناك طلباً على الشقق الفارغة التي عانت من جمود في المبيعات، ما اضطر أصحابها الى خفض أسعارها في السابق، مؤكّداً انّ مئات عمليات البيع تمّت في الفترة الاخيرة مقابل شيكات مصرفية لصالح المطوّرين العقاريين.
ولفت مكارم، الى انّ أسعار العقارات ما زالت على حالها، بل تمّ خفض أسعار بعضها، “أما المطوّرون الذين يعمدون الى رفع الاسعار حالياً نظراً لارتفاع الطلب، فيخرجون تلقائياً من السوق“.
الذهب
في محاولة لصرف مبالغ لا تزال محاصرة في الحسابات المصرفية، يستخدم بعض اللبنانيين ما يُسمح لهم من بطاقات ائتمانهم لشراء الذهب. ومن شأن ذلك أن يتيح لهم الحفاظ على قيمة اموالهم وأن يعود عليهم بأرباح لاحقاً. إذ واصلت أسعار الذهب الارتفاع هذا العام بعد تراجع بنسبة 20% العام 2019.
وفيما يزداد الطلب على ليرات الذهب والاونصات، كونها لا تفقد من قيمتها كالمجوهرات الاخرى، إلّا انّ محلات المجوهرات لا تقبل دفع قيمتها ببطاقات ائتمانية او بالليرة اللبنانية، مما يدفع الزبائن مجبرين، إما الى تأمين الدولارات نقداً، او التوجّه نحو السلاسل والأساور وغيرها.
مع الاشارة الى انّ ليرة الذهب تخسر حوالى 10% من قيمتها في عمليتي البيع والشراء. أما المجوهرات الاخرى فتخسر نحو 50% من سعرها، في حين يخسر الألماس الخام بين 15 و20% من سعره. أما المشغول في قطع حلي فيخسر نحو 50%.
لوحات وخزنات
لا يستثني أصحاب الثروات الأعمال الفنية القيّمة، حيث قال صاحب معرض لبيع اللوحات الفنية في بيروت لـ”فرانس برس”: “زارني أخيراً أشخاص لم أرهم من قبل. وبعضهم ليس لديه أي اهتمام في الأعمال الفنية، لكنهم يريدون إنقاذ أموالهم من المصارف فيشترون اللوحات الأغلى ثمناً“.
في المقابل، يُقبل كثيرون على شراء خزنات ووضعها في منازلهم خشية على أموالهم المقدّرة بـ3 مليارات دولار، والتي تمّ سحبها من المصارف وتخزينها في المنازل، من السرقات. وقد لفت صاحب محل لبيع الخزنات في بيروت الى انّ المبيعات ارتفعت بنسبة 50 في المئة، مضيفاً: “قبل الأزمة، كانت المصارف أبرز زبائننا، أما اليوم بات مودعوهم من يأتي إلينا”.