ثمة محور واحد لكل الاجتماعات التي عقدت في السرايا الحكومية قبل أيام وفي عين التينة أمس، وسواها من اللقاءات الثنائية غير المعلنة: هل ندفع سندات الدين التي تستحق في آذار 2020، أم نبدأ بإجراءات التخلّف عن السداد. أحلى الخيارات المطروحة مرّ؛ الدفع يستنزف المزيد من احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية المتهالكة أصلاً، فيما يفرض التخلّف عن السداد التعامل مع الدائنين الأجانب الذين يتوقع أن يربطوا موافقتهم على إعادة الهيكلة أو إعادة الجدولة بخطّة ماليّة يشرف على تنفيذها صندوق النقد الدولي الذي سيأتي حاملاً وصفته الكارثية وخلفياته السياسية.
الاستحقاق المصيري
في 2020، تستحق على الدولة اللبنانية ثلاثة سندات يوروبوندز يبلغ مجموعها 2.5 مليار دولار: 1.2 مليار دولار في آذار، 700 مليون دولار في نيسان، و600 مليون دولار في حزيران. كذلك تستحق فوائد على محفظة سندات اليوروبوندز بقيمة 2.18 مليار دولار تتوزّع على دفعات شهرية تتراوح بين 33 مليون دولار و539 مليوناً.
تعريف موجز
سند اليوروبوندز هو دين على الحكومة اللبنانية بالعملة الأجنبية، يحصل الدائن مقابله على «ورقة» يحدَّد فيها تاريخ ردّ الدين وفوائده وطريقة تسديدها، بالإضافة إلى شروطه القانونية للتداول في الأسواق الدولية وآليات التوقف عن السداد وسواها من آليات التعامل بين الدولة المقترضة والدائنين.
وبحسب المعطيات الأخيرة عن هوية حملة السندات، فهي على النحو الآتي: 65% من الاستحقاقات الأساسية (أصل السندات)، أو ما يوازي 1.6 مليار دولار، محمولة من أجانب (كانت 44.9% قبل بضعة أسابيع، إلا أن المصارف باعت بعضاً من السندات التي تحملها لمستثمرين أجانب بما يؤمن لها سيولة طازجة بالدولار، وبما يؤمن للمستثمرين الأجانب فرصة لتحقيق أرباح من سندات سعرها بخس، رغم أن مخاطرها مرتفعة). كذلك يحمل الدائنون الأجانب 35% من مجموع الفوائد السنوية، أي ما يوازي 765 مليون دولار. في النتيجة، مجموع ما يحمله الدائنون الأجانب يصل إلى 2.36 مليار دولار.
هذه المعطيات ضرورية للنقاش المتعلق بتسديد السندات والفوائد أو التخلّف عنها. فالاستحقاق الأول المطروح أمام لبنان، هو استحقاق 9 آذار 2020 (1.2 مليار دولار أصل السندات و143 مليون دولار فوائد). فهل يتوجب علينا أن ندفع هذا الاستحقاق أم نتخلّف عن سداده فتستحق كل السندات وفوائدها؟ هذا السؤال لم يقفز إلى الواجهة فجأة، بل هو متصل بنقاش سابق حول جدوى تسديد استحقاق تشرين الأول 2019 وقيمته 1.5 مليار دولار. يومها برزت دعوات للتخلّف عن السداد، إلا أن الاعتراضات عليها، ولا سيما من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، كانت مبنية على أن التخلّف عن السداد غير ممكن في ظل حكومة مستقيلة وانقسام سياسي حول تشكيل الحكومة، فيما تتطلب هذه الخطوة رسم خطّة واضحة وشاملة، فضلاً عن الإجراءات المتبعة في مثل هذه الحالات.
ما حصل هو أن مصرف لبنان سدّد نيابة عن الحكومة استحقاق تشرين الأول الماضي، وبقي السؤال الأساسي بلا جواب: ما هي جدوى الاستمرار في تسديد الديون؟ هل يجب أن نواصل تسديدها، فيما كل المعطيات التي تداولها المعنيون تشير إلى أن الإفلاس وقع ودقّت ساعة الحقيقة التي لم يعد ممكناً التعامل معها بالتمييع على الطريقة اللبنانية؟ هل نسدّد الديون من احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية؟ بأيّ هدف؟ وضمن أيّ خطّة؟
هكذا بات استحقاق آذار المقبل مصيرياً. فمع قرب استحقاق آذار 2020 بالتوازي مع تأليف الحكومة واستعداداتها لنيل الثقة على أساس البيان الوزاري، عاد النقاش بقوّة إلى مسألة الدفع أو التوقف عنه. استدعى الأمر عقد اجتماع مالي برئاسة رئيس الحكومة حسان دياب وبحضور كل من وزير المال غازي وزني، والبيئة دميانوس قطّار، والاقتصاد راوول نعمة، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس جمعية المصارف سليم صفير. في هذا الاجتماع، انحاز دياب وسلامة إلى الاستمرار في تسديد الديون، فيما تحفّظ وزني على هذا الأمر.
هذه المواقف أطلقت تسارعاً في وتيرة الاجتماعات بشأن هذا الاستحقاق الذي بات يستحوذ على استقطاب سياسي، وخصوصاً من ثنائي حركة أمل وحزب الله. رئيس مجلس النواب نبيه برّي عقد أمس اجتماعاً مالياً، حضره إلى وزني، وزير المال السابق علي حسن خليل، والنائب علي فياض ورئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق عبد الحليم فضل الله. بحسب المعلومات، فإن النقاش تطرّق إلى مسائل عدّة مطروحة في البيان الوزاري، مثل مسألة الكهرباء المستنسخة من خطط سابقة «فاشلة»، لكن المسألة الأساسية كانت حول استحقاق آذار 2020 والخيارات المطروحة، إلا أنه لم يتخذ أي قرار نهائي بهذا الشأن بعد.
صندوق النقد حتمي؟
عملياً، صار هناك أكثر من وجهة نظر حول استحقاق آذار:
ــــ أهمية هذا الاستحقاق نابعة من كونه الأكبر بين استحقاقات السنة الجارية، لذا فإن تسديده ثم التخلّف عن سداد الاستحقاقات التالية أمرٌ لا معنى أو قيمة له سوى إهدار مبلغ من احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية، وهذا يوجب اتخاذ القرار اليوم وليس غداً. أصحاب هذه الوجهة يحاججون بأن ضرورة التخلّف عن السداد مبنية على أنه لا يوجد إلا خياران: الدفع أو التخلّف عنه. الدفع سيتم بأموال المودعين التي لا يمكن التفريط بها من أجل الدائنين، فضلاً عن أنها سترتّب تداعيات اقتصادية واجتماعية قد تؤدي إلى تحريك الشارع بوتيرة غير مسبوقة. وإلى جانب ذلك، فإن المعطيات المالية تشير إلى أن احتياطات مصرف لبنان القابلة للاستعمال لا تزيد على 8 مليارات دولار، وبالتالي فإن تسديد 2.3 مليار دولار للدائنين الأجانب سيؤدي إلى نقص فوري في الاحتياطات بنسبة 29% ولن يبقى سوى 5.7 مليارات دولار لاستيراد الأكل والشرب والمحروقات والمواد الأولية والأساسية… وهذا المبلغ لا يكفي إلا لبضعة أسابيع”.
لقراءة المقال كاملاً إضغط هنا.