الخطوة الأولى
قبل مباشرة أي عمل داخلي، على الحكومة التي نالت الثقة، بحث دفع الاستحقاقات المالية التي تزيد الضغط على مالية الدولة وترفع معدل شحّ الدولار. فالخارج ليس مضطراً إلى تحمّل نتائج فشل السياسات المالية والاقتصادية اللبنانية. وبالتالي، على الحكومة اتخاذ قرار سريع بشأن الاستحقاق المالي الذي يقترب موعده.
الخيارات المطروحة أمام الحكومة، أحلاها مرّ. لكن المشكلة الكبرى، أن احتمال تبنّي أحد الخيارات، يتغيّر على وقع السياسات الداخلية، التي تدفع الشارع إلى المزيد من التأزّم، أي المزيد من الضغط على الحكومة، وهذا ما يتحوّل إلى عدم ثقة بالحكومة على مستوى دولي.
فهذه الحكومة أمام خيار بدفع الاستحقاق في موعده، للخارج والداخل. أي أنها على موعد مع التخلي عن 1.2 مليار دولار. وفي حال الدفع، تصبح الحكومة أمام ضغط جديد متمثل بدفع استحقاق نيسان بقيمة 700 مليون دولار، وبعده استحقاق حزيران بقيمة 600 مليون دولار. أي أن الدفع المستمر من دون ايجاد صيغة لزيادة إيرادات الدولة بالدولار، يزيد الوضع سوءاً ويضع الحكومة أمام إمكانية تبني خيار آخر، وهو تأجيل الدفع، عن طريق إعادة هيكلة هذا الدين. لكن إعادة الهيكلة تفترض رضى أصحاب الشأن.
عدم الدفع
توجه الحكومة لدفع المستحقات إلى جانب مبلغ 2.7 مليار دولار كقيمة للفوائد على الدين العام، يرفع معدل ما يفترض بالحكومة دفعه في العام 2020 إلى نحو 5 مليار دولار. وضخامة هذا المبلغ في ظل الظروف الاقتصادية والمالية الحالية، ترفع أسهم تبنّي خيار عدم دفع الاستحقاقات، وتحمّل نتائج انخفاض إضافي لتصنيف لبنان، وخروجه عن سكة الالتزامات المالية الدولية. في المقابل، يتم توظيف هذا المبلغ في الداخل، وهذا رأي تؤيّده مصادر في مصرف لبنان، والتي تشير في حديث لـ”المدن”، إلى أن “الخوف على تصنيف الدولة والمصارف لم يعد مؤثراً. فالأزمة الداخلية تحمل آثاراً كارثية أكبر من آثار التصنيف الخارجي، لأن فقدان هكذا مبلغ يعني انخفاض القدرة على تأمين الدولار لاستيراد المواد الأساسية كالقمح والمحروقات والدواء”. وترجّح المصادر توجه الحكومة إلى عدم سداد الاستحقاقات.
هذا الخيار يتبناه أيضاً الخبير الاقتصادي حسن خليل، الذي يعتبر أن بإمكان لبنان التخلف عن الدفع، شرط العمل على هيكلة ماليته، ورفع نسبة صادراته، والعمل على تنمية الاقتصاد، ليصبح قادراً على إيفاء قيمة السندات لاحقاً. واستشهد خليل بتجربة اليونان وأوكرانيا والأرجنتين، وهي دول تخلّفت عن الدفع، ثم استعادت قدرتها المالية وعادت إلى الأسواق المالية العالمية.
وفي السياق، يرفض خليل الطرح المتمثل بدفع مستحقات أصحاب السندات الأجانب، فيما يتم تأجيل الدفع لأصحاب السندات اللبنانيين. إذ “لا يحق لأحد أن يعطي أفضلية لأجنبي على لبناني، والعكس صحيح”. وبرأيه إما الدفع للطرفين، وإما إيجاد صيغة أخرى. لكن الثابت لديه هو “الواجب الأخلاقي بعدم الاستمرار بإساءة الأمانة”.
الكلمة لصندوق النقد
في حين نبحث نحن في لبنان، حكومة وشعباً وإعلاماً ومن يهتم بالشأن الاقتصادي، عمّا يمكننا تبنيه من خيارات، يجلس صندوق النقد الدولي على عرشه منتظراً انتهاء إحصائنا للخيارات وانعكاساتها، ليقول لنا أنه هو المصب، وعنده تنتهي الخيارات.
فحسب الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي: “يمكننا الحديث عمّا نريده. والحكومة يمكنها تنفيذ قراراتها على اللبنانيين وليس على الخارج، لأن الخارج ينتظر تجاوب لبنان مع متطلباته، وإلاّ فصندوق النقد الدولي حاضر”.
وفي حديث لـ”المدن” يؤكد يشوعي أن إعادة هيكلة الدين وتأجيل دفع السندات هو مسألة “لا تنتظم إلاّ من خلال مؤسسة مالية دولية. وهذه المؤسسة تدخل إلى لبنان من باب الأرقام فقط، متناسية حاجات الشعب ومصالحه. وهذه المؤسسة هي صندوق النقد الدولي، الذي سيقول كلمته بما يتوافق مع شروط منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي”.
ويقلل يشوعي من أهمية المشاورات الداخلية حول دفع أو عدم دفع المستحقات، ويدعو للمسارعة في تبني خيارات يمكن للجهات الخارجية قبولها. وبرأيه، فإن أي تأخير يعني تغيير خيارات الجهات الخارجية بصورة تؤثر سلباً على لبنان.
في المحصلة، ما هو مطروح حيال سندات اليوروبوند يؤكد أن الأزمة اللبنانية تتجه نحو التدويل، وإن في الشق المالي. وهذا ما أكده رئيس مجلس النواب نبيه بري بصورة غير مباشرة، حين اعتبر أن “لبنان بحاجة إلى مساعدة فنية من صندوق النقد الدولي لصياغة خطة إنقاذ اقتصادي، وأن البت في سداد سندات دولية تستحق في آذار ينبغي أن يستند لمشورة الصندوق”.