تنتمي شركة لازارد إلى مجموعة “لازارد فرير”، التي تعمل في الاستشارات المالية وإدارة الأصول وتقديم خدمات مالية أخرى. ويعود تاريخ تأسيسها إلى العام 1851 في الولايات المتحدة الأميركية، على يد ثلاثة أخوة يهود من آل لازارد، هاجروا من فرنسا إلى أميركا في العام 1848. وتوسّعت أعمال لازارد في أميركا وأوروبا، خصوصاً أثناء الحرب العالمية الثانية وما بعدها. واستمر التوسع وصولاً إلى تقديم الشركة خدماتها الاستشارية لدول عربية على رأسها السعودية والإمارات.
الانتشار الواسع الذي شهدته الشركة، مكّنها من بسط نفوذها على الكثير من اقتصادات الدول، وجعلها أحد الأطراف المؤثرة في الاقتصاد العالمي وأحد المتحكمين بالثروات العالمية. على أنّ اكتساب الشركة قوّتها الحالية، لم يكن ليحصل من دون مساعدة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة والعالم، لتصبح الشركة نفسها من ضمن اللوبي الصهوني.
وأبعد من صلتها بالصهيونية، فإن عدداً من الجهات السياسية في الدول العربية رفضت التعاقد مع الشركة، وضغطت على الحكومات لاستبعاد الشركة عن مشاريع الدولة، وهو ما حصل في تونس، حين تحرّك بعض النواب في مجلس الشعب التونسي، ومنهم مهدي بن غربية، بالإضافة إلى الاتحاد العام التونسي للشغل، لمطالبة رئيس الحكومة الحبيب الصيد، بإلغاء عقد أبرمه وزير التنمية والاستثمار ياسين إبراهيم مع الشركة، للترويج لمخطط التنمية الذي اتفق عليه في الندوة الدولية التي نظّمت في العام 2016، بهدف وضع رؤية للقضايا الاقتصادية الاجتماعية ووضع خطة خمسية تمتد للعام 2020.
ومع أن إبراهيم برر التعاقد مع الشركة بأن المشاريع الاقتصادية المقررة في الخطة “تحتاج لتسويقها إلى جهة دولية لديها كفاءات ومصداقية أقوى على المستوى الدولي”، إلا أن برلمانيين رأوا في التعاقد مع هذه الشركة “سابقة خطيرة في تاريخ تونس، لأن مخططات التنمية لا يتم إنجازها إلا من قبل الدولة، باعتبارها الطرف الوحيد القادر على تحديد الاحتياجات الاستثمارية الحقيقية لكل جهة”. وفي النتيجة، ألغي العقد.
وكانت المعارضة التونسية ترفض التعاقد، لأنها ترفض هيمنة الشركة على الاقتصاد. وبالتالي، على القرار السياسي التونسي، وحُكماً على السيادة الوطنية التونسية.
بالتوازي مع المعارضة التونسية، عارض اقتصاديون وسياسيون مصريون التعاقد مع الشركة عينها، التي كان من المفترض بها الترويج والإعداد والتحضير والتنظيم لمؤتمر القمة الاقتصادية في شرم الشيخ، التي عقدت في العام 2015. وقد فشلت لازارد في التنظيم، ما حث الامارات على الاستعانة بشركة “استراتيجي أند” الأميركية، لمعاونة شركة لازارد. ومن هنا، كان المدخل لتدخّل لازارد بأدق تفاصيل الاقتصاد المصري.
السيرة غير المشجّعة التي ترافقت مع قضايا فساد في اسبانيا واليونان وغيرها من الدول، فتحت النقاش حول جدوى التعاقد مع شركة، لن تؤدي خبراتها سوى إلى المزيد من التدمير للاقتصاد اللبناني، خصوصاً وأن سياسات شركة لازارد لا تنفصل عن سياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمؤسسات الدولية المماثلة، التي ترى الإصلاحات الاقتصادية من زاوية بيع مؤسسات الدولة، ورفع معدلات الضريبة، ورفع الدعم عن السلع والخدمات التي تقدّمها الدولة لمواطنيها.
ويأتي تعاقد لبنان مع الشركة، في وقت يعرف كل خبراء الاقتصاد في لبنان، إلى جانب سياسيين وصحافيين وموظفين ومتابعين للشأن العام، مكامن الخلل السياسي والاقتصادي، وطرق علاجه. ورسمياً، تكبّد لبنان عناء وكلفة وضع خطط كخطة ماكينزي للنهوض بالاقتصاد، ومع ذلك لم تُطبَّق بنود الخطة. ما يعني أن لبنان ليس بحاجة لدراسات وخطط جديدة، بقدر ما هو بحاجة إلى قرار سياسي بالإصلاح، يجنّبه دفع أكلاف إضافية وتنازلاً إضافياً عن سيادته الوطنية.