يوماً بعد يوم، تزداد الإجراءات المصرفية تشدداً وقساوة، وتحول دون تمكين الموظفين من سحب مدّخراتهم، أو حتى تحصيل ما ينالونه من رواتب (في أحسن الأحوال نصفها لدى الغالبية) من المصارف.
بات الحديث عن طوابير الانتظار أمام صناديق الدفع في المصارف من البديهيات، مع تشديد الإجراءات على سحب الدولار الأميركي من المصارف، وصولاً إلى مبادرة بعضها وفي طليعتها بنك الاعتماد اللبناني الى إلغاء السحوبات بالدولار الأميركي، بتقليص المبالغ الشهرية للأفراد الى 50 دولاراً أميركياً، في خطوة تستهدف دفع المودعين الى سحب مدخراتهم بالعملات الصعبة وفق سعر الصرف الرسمي للدولار الأميركي بواقع 1517 ليرة لبنانية، بفارق يتخطى نزولاً الألف ليرة عن سعر تداول الدولار لدى الصيارفة (السوق الموازية).
كذلك، بات من البديهي الإشارة الى إغلاق مؤسسات ومتاجر ومطاعم وصرف عمالها دون تسديد متأخرات عائدة لهم، فضلاً عن تعثر كل من لا يملك متجره، بسبب بدلات الإيجار العالية وما يرافقها من مصاريف كهرباء (فاتورتان واحدة للدولة والثانية للمولد الخاص) وتشغيل موظفين.
في إحصاء غير رسمي، إنّ غالبية الأهالي من الميسورين قادرون على تسديد أقساط السنة الدراسية الحالية لأولادهم، بسبب تأمين هؤلاء مدخرات نقدية (سيولة) في منازلهم خصصت للضرورات القصوى ومنها التعليم. إلا أن استمرار الإجراءات المصرفية القاسية، سيحول دون القدرة على تمكين من يملكون مدخرات من سحب الأموال لتسديد ما يترتب عليهم من دفعات سواء أقساط مدرسية وغيرها في السنة المقبلة.
هذا الإحصاء غير الرسمي، لا يشمل بالطبع غالبية متعثرة لم تتمكن من تسديد الحد الأدنى المطلوب من الأقساط من قبل المدارس، فضلاً عن وجود تراكمات عائدة للسنة الدراسية 2018 – 2019.
في الشق المعيشي، تسلك الأمور مساراً انحدارياً شبه عمودي، مع اعتماد غالبية مراكز بيع المأكولات وأدوات التنظيف سعر ثلاثة آلاف ليرة للدولار الأميركي منذ بداية الأزمة. إلا أن المستغرب لدى المستهلكين، استمرار هذه المحال في زيادة الأسعار، ما دفع بقسم كبير من المستهلكين الى التفتيش عن مساحيق تنظيف وتعقيم (سلعة جديدة يتهافت عليها اللبنانيون حاليا بسبب خوفهم من فيروس كورونا) بديلة أرخص سعرا من تلك التي اعتادوا استعمالها، والى تقليص استعمال ما بات يطلق عليه بـ “الكماليات” من المأكولات (الأجبان واللحوم المستوردة).
في مقابل هذا الوضع الاقتصادي الخانق، يصر قسم لا بأس به من اللبنانيين على متابعة حياتهم في ما يسمونه بـ”الحد الأدنى من المسار الطبيعي”. هؤلاء ينطلقون من ظروف صعبة شهدتها البلاد أيام الحرب الأهلية (1975 – 1990)، والى مراحل شهدت تعثرا اقتصاديا، يقرون انه لم يبلغ ما آلت إليه الأمور حاليا.
يعتبر هؤلاء انه لا بديل من المواجهة، و”ان البلد بلدنا، ولن نبحث عن بديل له”. يقومون بما يعتبرونه “إجراءات صمود”، من تقليص مصاريف، من دون إحداث تبديل في طريقة العيش بشكل جذري.
القسم الأكبر من هؤلاء يضعون أولويات تقوم على تعليم أولادهم وتوفير أنشطة لهم، مع تقليص مشتريات كانوا يقومون بها في السابق.
بينما يختلف الأمر لدى الأفراد غير المتزوجين، بمواصلة حياتهم الطبيعية وارتياد أماكن السهر، مع مراعاة خفض ما كانوا ينفقونه سابقا.
مطاعم تعمل كالمعتاد وتحافظ على وتيرتها مع خفض ملحوظ في عدد عمالها، أو تقليص ساعات عملهم وتاليا خفض رواتبهم، في مقابل إغلاق مطاعم كانت تعمل في الأساس لفترات زمنية غير طويلة، اذ تقوم إداراتها بتبديل أسمائها لتوفير جديد للزبائن.
دور السينما تعمل في شكل يصح وصفه بـ”المقبول” بالحد الأدنى، في موسم الشتاء السينمائي، وان كانت شركة عريقة تستورد أفلاما وتدير صالات عدة قد أعلنت نيتها الإغلاق.
سائقو الأجرة يعانون بدورهم، لكنهم يصمدون، وإن كان بعض مالكي السيارات واللوحات العمومية المخصصة لها، قد رضي بتقليص حصته الشهرية، لتمكين السائقين من العمل وتوفير مردود يفي بتسديد أقساط السيارات الشهرية لدى المصارف.
أزمة خانقة لا تغيب فسحات الأمل والمبادرات الفردية، في بلد يصر على الانتصار للعلم والمضي قدماً.