لا يختلف اثنان على أنّ قوننة “الكابيتال كونترول” تأخرت كثيراً، بحيث كان أصحاب النفوذ أكثر المستفيدين من الفوضى والعشوائية السائدة في المصارف في الفترة السابقة. لكنّ إقرار القانون، ولو جاء متأخراً، من شأنه أن يريح الناس والسوق. فماذا يجب ان يتضمّن القانون ليضمن حقوق المودعين ويوقف الاستنسابية في التعاطي؟
اعتبر رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين المحامي كريم ضاهر انه يجب اعتبار مشروع قانون capital control كتدبير استثنائي، لأنه يمسّ بمبدأ الاقتصاد الحر وصَون الملكية الفردية والملكية الخاصة كما ثَبّتته الفقرة (و) من مقدمة الدستور. فالقيود المختلفة على الحسابات المصرفية و”قصة الشعر” haircut على الودائع، وإعادة هيكلة الدين العام، ومنع التحويلات الى الخارج، ووضع آليّات مشروطة للاستيراد وغيرها من الاجراءات التي تطبّق اليوم، بقوة الواقع وليس بقوة القانون، تنسف النظام الاقتصادي الحر وتتعارَض مع الملكية الخاصة وتضعف الملكية الفردية. وشدّد ضاهر على ضرورة ان تُحدّد هذه الاجراءات في أطُر زمنية معينة وذكرَ انها مؤقتة، وان تحظى بموافقة الاكثرية لأننا امام تعديل دستوري، على ان يبرّر هذا التوجّه بكونه يراعي مصلحة البلاد العليا.
ويجب على القانون أن يراعي بعض الاتفاقيات الدولية والتجارية مع صندوق النقد الدولي، وان يتم بالتشاور المُسبق معها، لأنها تفرض شروطاً على البلد الذي ينوي وضع ضوابط للتحويلات الرأسمالية، عدا عن انّ لبنان وقّع معاهدات دولية لحماية الاستثمارات مع بعض البلدان، ومنها فرنسا.
وطالبَ ضاهر بضرورة ألا يتعاطى القانون باستنسابية مع المودعين وعدم أخذ حالات معينة بالاعتبار، مثل كيفية تحديد المصاريف الشخصية وهل ستكون موحدة للجميع؟ وإذا كانت الامكانات اليوم ضئيلة فلمن الأولوية؟ للشخص الذي لديه اولاد يدرسون في الخارج، او لمن يطبّبون في الخارج، او لمن لديه التزامات تجارية مع الخارج؟ واعتبر ضاهر انّ كل هذه النقاط تستدعي دراسة متأنية مع تحديد الاولويات لكل قطاع ولكل عملية تحويل. فنحن نعلم انّ هناك قيوداً على التحاويل اليوم، فما ستكون التدابير المتّخذة من دون المَس بمبدأ المساواة المُصان بموجب الدستور. ووفق أي نمط حياة ستحدد القيود على السحب، وفق نمط الغني او الفقير او نسبة مئوية ممّا يملك المودع في المصرف؟ وهنا ايضاً يجب الاخذ في الاعتبار انّ من يملك مليون دولار هل يحق له ان يصرف 100 الف دولار في الشهر في حين أنّ من يملك مجموع ودائع أقل تقيّد وديعته ويحق له ان يصرف فقط 10 % منها شهرياً قد لا تكفيه لإعالة عائلته ودفع أقساطه وأقساط المدارس. إنطلاقاً من ذلك، يجب وضع دراسة تنظيمية لمتوسط حاجة العائلة، شرط أن تترافق هذه القيود مع إنشاء جهاز رقابي بحيث لا يكون الحكم والحاكم هو الشخص نفسه. على سبيل المثال، اذا أعطي لمصرف لبنان حق التنظيم، يجب ان تكون الحكومة أو اي جهاز آخر يراقب حسن تنفيذ الكابيتال كونترول. امّا اذا كانت الحكومة هي من ينظّم الكابيتال كونترول، فيجب ان يؤدي مجلس النواب الدور الرقابي لردع التجاوزات.
هل يجب الخوف من إقرار القانون؟
يرى ضاهر انّ الامور كما هي حالياً في حالة فوضى تخضع لاستنسابية المصارف، اما اذا تمّت القوننة فيتخلّص المودعون من رحمة المصارف وتتوقف الاستنسابية بالتعاطي معهم، والأهم انّ القانون سيؤكد على انّ هذه الاجراءات وقتية. كما يجب أن يحدد القانون سقفاً معيناً للسحوبات وفق حسابات الافراد على ان تلتزم به كل المصارف، وتحديد نسبة السحوبات الى الخارج بغرض الطبابة او التعليم.
ماذا عن ودائع المغتربين؟
برأي ضاهر، إنّ الذي يعيش خارج لبنان وليس لديه مورد آخر غير الوديعة التي يملكها في المصارف اللبنانية، يجب عليه الاخذ بالاعتبار كلفة الحياة في الخارج، كما لا يمكن الافراج عن أموال هؤلاء بالمطلق خوفاً من ان يسحبوا كل اموالهم دفعة واحدة. ومن المتوقع ان يذكر القانون وضع الاموال الجديدة التي تدخل الى لبنان، لافتاً الى انّ البلدان التي طبّقت الكابيتال كونترول شملت الاموال الجديدة، لأنّ خطورتها تكمن في إدخال مبالغ كبيرة الى الاسواق ثم المطالبة بها بعد فترة وجيزة، بما يزيد المشكلة تعقيداً ويخلق أزمة سيولة. لذا، يجب السماح بدخول أموال جديدة الى لبنان شرط الاستثمار، عندها يمكن ضبط خروجها مجدداً، اي يجب ان يبرّر دخول الاموال هل هو لأغراض شخصية ام للاستثمار في مشاريع واعدة للاقتصاد وإلّا نعرّض الاسواق للمضاربة.