حسمت حكومة الرئيس حسان دياب الموقف بعدم سداد سندات “اليوروبوندز” بعد طول نقاش طال مروحة واسعة من المعنيين والخبراء المحليين والدوليين، علماً أن دياب نفسه فُهم منه في مرحلة من المراحل أنه يؤيد الدفع، ليعود ويتراجع؛ ربما لأن الاغلبية العظمى من الشارع ترفض دفع استحقاقات “اليوروبوندز”.
لقد أدركت الحكومة أن الخيار الذي ستعتمده اياً يكن، سيضع لبنان على مفترق طريق، وينقله إلى مرحلة جديدة لأن عدم السداد أو السداد سيرتب اجراءات عديدة ستعقبه.
يأتي خيار عدم السداد في إطار خطة بعيدة المدى لاعادة هيكلة الدين، وهي في طريقها إلى أن تعلن، بحسب المعلومات؛ وتتضمن تحييد صغار المودعين عن أي إجراء، لكن لا يزال السقف الذي سيحدد على أساسه صغار المودعين محل نقاش داخل الحكومة وعلى مستوى وزارة المال والمصارف والخبراء، وقد جرى التداول مبدئياً بالسماح لصغار المودعين بسحب 4000 دولار شهرياً، وضمن سقف 25 مليون ليرة لبنانية للحسابات المودعة بالليرة اللبنانية. ومن المتوقع للسحوبات هذه التي تتصل بالودائع الصغيرة أن تشكل عامل تهدئة لقرابة 80 في المئة من المودعين، وهم الفئات التي يرتبط بها الاستقرار الاجتماعي، كما أن اسقف السحوبات المشار اليها، من شأنه أن يساعد على ضخ مليار دولار سنوياً في جيوب صغار المودعين، ومن ثم في السوق الأمر الذي يساعد على تحريك العجلة الاستهلاكية في الداخل.
أما كبار المودعين فستحسم نسبة من ودائعهم (جرى التداول بعشرين في المئة وتحويلها إلى اسهم في المصارف)، على أن يتزامن ذلك مع اقرار البرلمان لمشروع قانون ينظم السحوبات والتحويلات (الكابيتال كونترول)، كما أن هذا القانون سيتضمن تفصيلات اضافية تحدد اصول التحويلات وحدودها لأسباب دراسية أو علاجية وتجارية. هذا فضلاً عن أنه اذا افترضنا أن النسبة استقرت على 20 في المئة، من حجم الكتلة المالية الموجودة الان التي تقدر بقرابة 147 مليار دولار، فهذا يعني أن مقدار كتلة الاسهم ستقارب 30 مليار دولار، وهذا من شأنه أن يفتح الباب أمام طبقة جديدة للدخول إلى مجالس ادارة المصارف، وهذا من شأنه أن يشكل محفزا لأصحاب المصارف والمساهمين الكبار الممسكين بقرارات هذه المصارف لرفع مستوى إسهاماتهم في هذه المصارف بهدف الحفاظ على دورهم الحاسم داخل إدارات المؤسسات المصرفية وسيؤدي ذلك إلى رفع مستوى الرسملة للمصارف. أما المصارف التي لم تتمكن من السير بهذه العملية فسوف تضطر إلى الدمج في ما بينها، وكل ذلك سيفضي إلى التكيف مع متطلبات رفع الملاءة التي يفرضها تصنيف لبنان الائتماني وتصنيف المصارف نفسها وسيولد ذلك أيضا ديناميات شديدة مساعدة لإعادة الثقة بالقطاع المصرفي الذي اهتز بعد 17 تشرين الاول الماضي.
هذه الخطة التي يجب أن تعلن بصورة كاملة وتفصيلية، وتحظى بغطاء سياسي يمثله رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة والقسم الأكبر من الأحزاب الاساسية، ستتضمن أيضاً كيفية التعاطي مع صندوق النقد الدولي.
ولذلك، يمكن القول، إن التوجه المبدئي عند المعنيين يتمثل بالاستعانة التقنية بـ”النقد الدولي” والتعاطي مع عروضاته بالقطعة، وليس بصيغة البرنامج الذي يتضمن حزمة متكاملة. فمنشأ حرج لبنان في العلاقة مع صندوق النقد يكمن في موقف الدول الكبرى التي يعول لبنان على دورها في مؤازرته في أزمته المالية – الاقتصادية، إذ أنها جميعها تشترط مساعدتها لبنان بتعاونه مع صندوق النقد.
يدرك لبنان أن ليس بمقدور الفئات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة تحمّل شروط الصندوق، وهذا ما أبلغه المسؤولون إلى وفد الأخير الذي زار لبنان في الأسابيع الماضية، علماً أن الايجابية الاساسية في مفاوضات المعنيين مع ممثلي الصندوق تظهرت بتأكيد النقد الدولي أن لبنان هو الذي عليه أن يطرح خطته والصندوق يبدي رأيه وملاحظاته على تلك الخطة. وسط ما تقدم، من المرجح أن يلجأ لبنان في نهاية المطاف إلى تعاط انتقائي مع برنامج الصندوق، خاصة وأنه من المعروف أن لبنان يحتاج بصورة ماسة إلى كتلة مالية بالعملة الصعبة تقدر بـ 6 مليار دولار لتغطية حاجاته الاساسية في استيراد الدواء و المحروقات والغذاء، هذا من دون أن تلحظ خدمة الدين.
ثمة رأي في 8 آذار يشير إلى أن الحكومة تعمل بالاتجاه الصحيح، وأنها اتخذت قرارات جريئة، لكن العبرة تبقى بالتنفيذ؛ عطفاً على رصد تلقي الشارع لهذه الخطة، إذ أن الثقة والتفاعل الايجابي والتجاوب هي من العوامل المهمة في كبح جماح ارتفاع الدولار وإعادة تنشيط الدورة الاقتصادية. كما أنه من الأهمية بمكان رصد ردة الفعل العربية والدولية لمعرفة المآلات التي ستتخذها هذه الدول، وتحديداً الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، علماً أن المؤشرات لا تزال أقرب إلى السلبية.