سيؤلّف لجنة للإصلاح: حسان دياب.. بماذا ورَّطتَ نفسك؟

مكافحة الفساد لا تحتاج الى لجان بل الى تطبيق القوانين

10 مارس 2020
سيؤلّف لجنة للإصلاح: حسان دياب.. بماذا ورَّطتَ نفسك؟
خضر حسان

وافَقَ رئيس الحكومة حسان دياب على التقاط كرة النار والعمل على تبريدها، والانطلاق بعد ذلك إلى مرحلة الإصلاح واستعادة زمام الأمور.

لكن عن قصد أو عن عدم دراية بحقيقة الواقع، ورَّطَ نفسه في مستنقع لا أمل له بالخروج منه حيّاً، بالمعنى السياسي والشعبي. وعلى الأرجح، قَبِلَ بخوض غمار التجربة، بعد أن أوهمته أحزاب السلطة بأنها تريد حلولاً أو تهدئة، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه في هذا النظام.

وسَّعَ دياب آماله الإصلاحية، والتمسَ الجمهور ذلك عبر خطاباته الحالمة بمكافحة الفساد، والتي كانت آخرها يوم السبت 7 آذار، مع إعلانه قرار حكومته عدم دفع استحقاق سندات اليوروبوندز.

إذ أكّد دياب أن حكومته باشرت “باعداد استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد.

وقريباً، ستبصر اللجنة المختصة النور”. ومرّة أخرى، يتجاهل دياب حقيقة الأحزاب التي يتعامل معها داخل الحكومة، فيضع نفسه أمام محكمة شعبية مفتوحة، تعقد جلسات متواصلة منذ 17 تشرين الأول 2019.

من هو العدو؟
يستعمل دياب مصطلحات ذات دلالات “ثقيلة” ويقصد من خلالها تعظيم جهوده على مستوى شخصي، وجهود حكومته على مستوى عام.

لكن الأثقال قد تنقلب فوق حاملها إن لم ينتبه لخطواته. ففي كلمته، قال دياب أن “الرهان اليوم على قدرة اللبنانيين على خوض معركة استقلال جديدة، ولكن بمفهوم مختلف، للتحرر من عدو يمارس السطو على حاضر اللبنانيين ومستقبلهم”.

قالها دياب ومشى، من دون الاكتراث إلى تحديد هوية العدو، أهو ذاته الذي حددته “صرخة 17 تشرين الاول المدوية” كما وصفها؟ سواء كان ذاته أم عدواً آخر، فقد أوقَعَ دياب نفسه في مأزِق.

إنَّ صرخة 17 تشرين الأول انطلقت ضد الأحزاب التي يرأس دياب حكومتها، وبالتالي هي العدو الذي يسعى الصارخون للاستقلال عنه ومحاسبته وسجنه، وهو موقفٌ لا يقوى رئيس الحكومة على فعله، أو حتى التلويح به.

جيوب الفساد
دمج الحديث عن مكافحة الفساد والعدو، يعني حُكماً تحطيم جيوب الفساد. ولأن أمثلة الفساد كثيرة، يكفي اختيار عنوان التوظيف في القطاع العام، بالإضافة إلى قطاع الكهرباء، لاختبار جديّة ما يقوله دياب، أو في أحسن الأحوال، اختبار إمكانية الاصلاح.

بات واضحاً وجود اختلاف حول عدد موظفي القطاع العام، وتتراوح الأرقام المتداولة بين 250 ألفاً و350 ألف موظف، معظمهم موظفون سياسياً.

في حين أن أكثر من نصف المراكز في الوظيفة العامة، شاغرة، والقوى السياسية تتقاتل لملء الفراغ وفق التحاصص.

فهل يعي دياب أن لجنته التي ستبصر النور، عليها الوقوف في وجه القوى السياسية التي تسيطر على الوظائف العامة؟

يظن رئيس السلطة التنفيذية أن رحلته سهلة، لذلك، يكفي لفت نظره إلى أن القوى السياسية التي يرأس حكومتها، هي التي وظّفت في العام 2018، وبالتوافق والتحاصص، نحو 5000 شخص، رغم قرار وقف التوظيف في القطاع العام.

وهذا التوظيف، مُعتَرَفٌ به من قِبَل وزير المال السابق علي حسن خليل، الذي كان يدفع رواتب الموظفين الجدد، بالإضافة إلى رواتب الموظفين القدامى. علماً أنه ينفي معرفته بعدد موظفي الدولة، أي أنه يدفع من مال الدولة، لأشخاص مجهولين. فلماذا يدفع؟

والتذرّع بعدم القدرة على تحديد العدد الحقيقي لموظفي القطاع العام، هو أمر غير منطقي، لأن وزارة المال تملك جداول الدفع، ويمكن من خلالها تحديد عدد الموظفين. فهل سيفضح دياب عدد موظفي القطاع العام، وحُكماً يفضح التوظيفات الوهمية وازدواجية التوظيفات في أكثر من قطاع؟

بالتوازي، يشكّل قطاع الكهرباء جيباً أساسياً للفساد، فالخطة الإصلاحية لوزارة الطاقة، اخترعت شركات لتقديم الخدمات لمؤسسة كهرباء لبنان، بقصد زيادة الانتاجية ورفع معدلات الفوترة والجباية وتخفيض مستوى الهدر، بالإضافة إلى تركيب العدادات الذكية، التي من المنتظر أن تُسهِم في تطوير العمل. لكن المحصلة جاءت مخيّبة للآمال. فلا العدادات كانت ذكية، ولا رُكِّبَت كما يجب في كل لبنان، ولا الفوترة والجباية تحسّنت. أما التغذية بالتيار الكهربائي، فتراجعت في كل المناطق. ناهيك عن خلق أزمة المياومين.

والفساد في الكهرباء واضح وملموس ومُعترف به، كونه يشكّل ثلث عجز الموازنة.

والحكومات المتعاقبة كانت توافق على سلفات خزينة لتمويل شراء الفيول، مع علمها بعدم قدرة المؤسسة على التسديد. وهذا في الأصل مخالف للقانون. لكن السلفات استمرت وتعالَت الدعوات للإصلاح، لفظياً.

وتُرجِمَت هذه اللفظية بشكل واضح في تثبيت بواخر الطاقة، رغم فضائح الهدر مالياً، وفضائح الفساد في العقود والتلزيمات.

وما على دياب سوى سؤال مدير عام إدارة المناقصات جان عليّة والمدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة، غسان بيضون، لمعرفة خبايا الهدر والفساد في وزارة الوصاية على قطاع الكهرباء.

تحديد مسار المواجهة
رفع رئيس الحكومة سقف المواجهة مع “العدو” الغامض الذي لم يحدده صراحةً، لكن استعراض ملفات الفساد يفضي إلى تحديد هوية المسؤولين عنها، فهل قرر دياب الانقلاب على مَن سمّاه ونصّبه؟ وهل يملك القدرة على تجنيد وزراء الأحزاب معه؟

إن كان السعي يتجه نحو الانقلاب الجذري، فعلى دياب إجراء “نفضة” داخل التفتيش المركزي التابع مباشرة لمجلس الوزراء، فضلاً عن إيقاظ ديوان المحاسبة. وما عدا ذلك، فإن العدو سينتصر، ولن يبقى من خطاب دياب سوى الشعارات.

المؤشرات والمعطيات غير مشجّعة، وزادها سلبيةً، طرح تشكيل لجنة، ما يعني أن قطار اللف والدوران في محاربة الفساد، ما زال على سكته القديمة التي أوصلت البنك الدولي للتأكّد منذ العام 2015 على الأقل، من عدم جديّة القوى السياسية للإصلاح.

وزاد التأكيد في العام 2018، فحينها، أكد نائب رئيس مجموعة البنك الدولي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فريد بلحاج، أن التناقض التام بين ما ترفعه السلطة تحت مظلة البنك الدولي وما تنفّذه، يُقلق البنك، وهذا القلق ينسحب على تعميق أزمة الاقتصاد اللبناني الذي “يقاوم السقوط منذ وقت طويل، وسيأتي يوم يتحقق فيه السقوط”.

المصدر المدن