عتقد مدير الأبحاث في “معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية” في باريس، فرانسيس بيران، في حديث إلى “الأخبار”، بأن جميع البلدان المنتجة للنفط ستكون متضرّرة بالضرورة من انخفاض سعره، حتى ولو كانت تبعاته أقلّ وطأة على الروس. فموسكو تحتاج إلى سعر منخفض نسبياً لإعادة التوازن إلى موازنتها العامة (حوالى 42 دولاراً للبرميل، بحسب “صندوق النقد الدولي”) وتمتلك احتياطي عملات صعبة يكفي لتجاوز الأزمة الحالية من دون خسائر كبرى. هو يشير إلى أن “موسكو انتهزت الفرصة التي توافرت لمفاقمة مصاعب منتجي النفط الصخري الأميركيين، ورفضت عرض أوبك تخفيض الإنتاج بـ1.5 مليون برميل إضافية. هذا الخيار ناجم عن ضغوط لوبي الشركات النفطية الروسية الذي لم يكن موافقاً على التوجهات السعودية. ويؤكد الروس أنهم في كل مرة عمدوا فيها إلى تخفيض إنتاجهم، لم يكن الأمر مرضياً في نظر أوبك التي درجت على مطالبتهم بالمزيد. وهم يرون، من جهة أخرى، أن تأثيرات كورونا على أسواق النفط قصيرة الأمد، ولا تبرّر حالة الهلع المستشرية راهناً. لكن القرار الروسي مرتبط أساساً بواقع أن الولايات المتحدة، المنتج الأول للنفط عالمياً، لم تكن حاضرة في القمّة وتعتمد سياسة محكومة بحساباتها الخاصة. في مثل هذه الظروف، لم تكن هناك أيّ مصلحة لموسكو للمحافظة على الاتفاق مع أوبك”.
ويرى بيران أن التصعيد الروسي الحالي ضربة قوية لقطاع النفط الصخري الأميركي، الذي قد تجتاحه موجة إفلاسات في الأشهر المقبلة بين صغار المنتجين، تضع كذلك البنوك المُقرضة في أوضاع صعبة. ووفقاً لتقديرات الخبراء، فإن إنتاج النفط الصخري يصبح غير ذي جدوى اقتصادية إذا هبط سعر البرميل إلى ما دون الـ60 دولاراً، أما إذا انحدر إلى ما دون 32 دولاراً، فإن الخسائر تصبح فادحة. ولكن، وللمفارقة، فإن الخفض الكبير في الأسعار ملائم للمستهلك الأميركي. ويعتبر بيران أن “الموقف في الولايات المتحدة تجاه أسعار النفط معقَّد، لكونها بلداً منتجاً ومستهلكاً في آن واحد. هي كبلدٍ منتج، لا تناسبه أسعار منخفضة، لأنه معنيّ بتأمين الشروط المناسبة حتى تستطيع شركاته النفطية الاستثمار، لكنه كبلد مستهلك يحتاج إلى مثل هذه الأسعار المنخفضة. دافع ترامب عن ضرورة الحفاظ على سعر منخفض للنفط، لأن بين ناخبيه قطاعاً واسعاً من المستهلكين الأميركيين. المشكلة هي أن مثل هذا السعر يمثّل تهديداً جدّياً بالنسبة إلى الصناعيين، ويفضي إلى اضطراب كبير في البورصات. ينبغي ألا ننسى كذلك أن لتراجع أسعار النفط انعكاسات سلبية على الشركات المنتجة للتكنولوجيا والتجهيزات، وعلى تلك التي تؤمّن الخدمات الخاصة بالصناعة النفطية. وكثيراً ما يلجأ الرئيس الأميركي إلى التذكير بمؤشرات البورصة للدلالة على فعالية سياساته”.
وبحسب فرانسيس بيران، فإن الأسعار مرشحة للتراجع المتواصل في الأسابيع المقبلة، وذلك “وثيق الصلة بانعكاسات فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي، التي لم تصل إلى مراحلها المتقدِّمة بعد، وإلى مستوى حدّة صراع المصالح بين الرياض وموسكو، الذي قد يمتدّ زمنياً، في حال لم تُستأنف المحادثات بين الأخيرة وأوبك”. وللدفاع عن حصصها من السوق، أعلنت السعودية، عبر شركتها الوطنية “أرامكو”، خفضاً لأسعار النفط المصدَّر بدءاً من الأول من نيسان، يترافق مع رفعها سقف الانتاج. غير أن الاقتصادي جاك سابير يرجّح أن تقود هذه الاستراتيجية إلى “إعادة النظر في المشاريع الاقتصادية الفرعونية لمحمد بن سلمان وفي حربه المكلفة ضدّ اليمن”.
‘الحرب النفطية السعودية-الروسية’.. استعدوا للأسوأ
كتبت لينا كنوش في صحيفة “الأخبار” تحت عنوان ” حرب النفط”: الأسوأ لم يأتِ بعد”: “شهدت أسعار النفط انهياراً فعلياً بعد عدّة أسابيع مِن التراجع المستمر بسبب مفاعيل تفشّي فيروس “كورونا”. وما ضاعف مِن وقع هذه المفاعيل، التي أدّت إلى الانهيار المذكور وإلى تأزّم الاقتصاد العالمي، هو فشل مؤتمر فيينا، يوم الجمعة الماضي، وردّ الفعل السعودي على رفض روسيا التعاون لخفض الإنتاج النفطي. وقد وصل سعر برميل “برنت” إلى 35.6 دولاراً، بدلاً مِن سعر 67/68 دولاراً الذي ساد في 6 و7 و8 من كانون الثاني الماضي، مسجِّلاً تراجعاً بنسبة 45 إلى 50% في مدة شهرين، هي الأعلى منذ حرب الخليج.