ملاحقة ‘غير المرخّصين’ والصغار لا تحلّ مشكلة الدولار..إبحثوا عن ‘قروش’ الصيرفة الكبار!

19 مارس 2020
ملاحقة ‘غير المرخّصين’ والصغار لا تحلّ مشكلة الدولار..إبحثوا عن ‘قروش’ الصيرفة الكبار!

كتبت إيفون أنور صعيبي لـ”لبنان24“: الاقتصاد اللبناني حرّ ومن أبرز قواعده مبدأ تحديد الاسعار وفق العرض والطلب. لكنّ هذه الحرّيّة التي كرّسها الدستور ليست مطلقة، اذ تحدّها ضوابط في القانون حتى ولو ساهم الواقع بإطلاق العنان في بعض الأحيان، لوحشية رأس المال. تُحصّن القوانين اللبنانية “الحمائية” وأبرزها قانون حماية المستهلك الى جانب بعض نصوص قانون النقد والتسليف المستهلك من الاحتكار والجشع. اما تحديد سعر صرف العملات الاجنبية فيتم بموجب آليّة واحدة  هي البورصة اللبنانية وفق ما يعرف بتحديد سعر الصرف الرسمي للعملات الاجنبية والتي جرت العادة أن يتحكم بها مصرف لبنان شراءً ومبيعاً.

 

بعد الازمة المالية، وامتناع المصارف عن تسليم العملة الخضراء لعملائها لجأ الناس الى الصرافين ” المرخصين وغير المرخصين للاستحصال على العملة الخضراء حتى باتت هذه السوق المصدر الوحيد لسيولة الدولار. لكن غياب معايير واضحة لتحديد الآلية المستخدمة في تحديد سعر العملات الاجنبية وفقاً للعرض والطلب تسبّب بقيام “بعض” الصرافين بالتحكّم بسعر الصرف من دون الارتكاز الى أي قواعد مستفيدين بذلك من الظروف القاهرة ليرتكبوا”ربما” عن غير قصد فعل “الاحتكار” الملاحق قانوناً.

 

باسم الدولة

الملفت في هذا الملف، مطالبة عدد من الصرافين المرخّصين الدولة بملاحقة من يزاول المهنة بطرق غير شرعية، وذلك من دون أن يكلّفوا أنفسهم  بالتعاون من أجل تحديد سعر الدولار بعيداً عن الاحتكار. في هذا الاطار، لا بدّ من الاشارة إلى أنّ سعر صرف الدولار بلغ  أمس 2550 ل.ل. رغم تعميم مصرف لبنان القاضي بتحديده على الـ2000. والجدير بالذكر أيضاً أن “نقابة الصرافين” عمدت في بياناتها الى التهديد بإجراءات هي من صلاحيات الدولة حصراً، لتنطق باسم الدولة في أحيان كثيرة، ما يشير الى نوع من التساهل من قبل مصرف لبنان ومعها بعض أجهزة الدولة.

 

ملاحقة غير المرخصين

في اجتماع عقد برئاسة رئيس الحكومة في السراي، تقرّر ملاحقة الصرافين غير المرخصين الذين يحددون سعر صرف العملات الاجنبية بنسب فاحشة. وعليه تمت مداهمة عدد من محلات الصيرفة غير الشرعية بمؤازرة من الجيش اللبناني. كما وبرز عدد من المداهمات “لصرافين متنقلين” والمعروفين بحاملي الحقائب الذين يتجوّلون ومعهم أكياس الاموال في وضح النهار للقيام بما تعجز المؤسسات الشرعية عن فعله.

 

عن الموضوع يوضح عضو مجلس نقابة الصيارفة محمود حلاوي أن “المواطن هو مصدر الدولارات التي تتدفق الى سوق الصيرفة، وما تقوم به محلات الصيرفة في الواقع يقتصر على شراء الدولار من زبون وبيعه الى آخر فمكاتبنا كنية عن وسيط بين الشاري والبائع. بعد صدور تعميم مصرف لبنان الرامي الى تحديد سعر البيع من قبل محلات الصيرفة على الـ2000 ليرة بتنا ملزمين شراء الدولار  بـ1970 وفي هذه الحالة يرفض المواطنون بيع الدولار معتبرين أنه بات يساوي 2500 ليرة في السوق السوداء.وهكذا بتنا نعاني من نقص الدولار الامر الذي سينعكس على الشركات المستوردة لا سيما تلك التي تؤمن المواد الغذائية والطبية والتي تتّكل على سوق الصيرفة لتزويدها بالعملات الاجنبية“.

 

ويضيف حلاوي “ان مؤسسات الصيرفة المرخصة تلتزم تقديم بياناتها المالية لمصرف لبنان على أساس سنوي من هنا فنحن قادرون على إثبات مصادر الاموال التي نستخدمها في السوق. الى ذلك، وبعد قرار مجلس الوزراء وبهدف ملاحقة الصرافين غير المرخصين، أوقفت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، عدداً من منتحلي مهنة الصرافة وغير المرخصين، وشمل التوقيف عددا من الصرافين المرخصين باعتبارهم غير ملتزمين بالسقف المحدد لسعر الصرف. لقد ساهم وجود مخابرات الجيش في ضبط المخالفات لكنّ حالة التعبئة أدت الى تقليص التدفق النقدي. قبل تعميم البنك المركزي، كانت عملية تحديد السعر اليومية تتم عبر آلية العرض والطلب. فإن تمكنت السوق من شراء مليون دولار على سبيل المثال في حين بلغت حاجة المستوردين 10 ملايين دولار، ارتفع السعر حكماً لأن الطلب يتخطى العرض“.

 

من أين الدولارات؟

من جهته، يقول المحامي عيسى نحاس “يتحجّج الصرافون  بالعرض والطلب ولكنهم يقومون بتحديده وفق مزاجيتهم اذ لا أسس لتحديد السعر ولا إحصاءات لتبيان كمية العرض والطلب بل إنّ السوق تتعامل فقط وفق مزاجية بعض الصرافين المستحوذين على المبالغ الكبيرة من الدولارات والذين يحددون سعر الصرف ويلزمون السوق به. هذا واستغلت بعض محلات الصيرفة هذه تعميم مصرف لبنان ليقوموا بشراء الدولار من الناس بـ2000 السعر ومن ثمّ يعيدون بيعه بأسعار مرتفعة لامست حدود الـ 2700 ل.ل. فجنوا بذلك ارباحاً طائلة“.

ويضيف نحاس”لحلّ المسألة يجب الانطلاق من السؤال الأساس وهو من أين يستحصل الصرافون على السيولة، بعضهم لتأمين احتكار سوق الصرف والبعض الآخر لتيسير أمور الشركات المستوردة؟! تقوم الشبهة على عاملين: يرتكز الأول الى تهريب الأموال من الخارج أما الثاني فمنوط باحتمال قيام عدد منهم بتبييض الأموال وزجّها في السوق اللبنانية  للاستفادة من الأزمة المالية. وهنا على الدولة بأجهزتها القضائية التحري عن مصادر السيولة ومدى شرعيتها. كما ويجب على الدولة ضبط تصريف الشيكات عبر استبدالها بسيولة وصلت على 65% من قيمتها أي بربح غير مشروع يوازي 35% من قيمتها وملاحقة الذين يستفيدون من هذا الجرم الموصوف.”

 

ويقول نحاس”الدولة مطالبة بإجراء رقابة على مصادر الاموال المتداول بها في السوق اللبنانية وملاحقة الصرافين ومراقبة تطور ثرواتهم خصوصاً أنه ينطبق عليهم قانون الإثراء غير المشروع ويجدر التحقيق في كلّ حالة على حدة فتتبين كمية الاموال المضخوخة في السوق ومصادرها ويكون القضاء هو الفيصل في تحديد المرتكبين اعتمادا على منطق دولة القانون والمؤسسات“.

 

أما الحكومة فبدورها يجب أن تبدأ بوضع مشروع لحلّ قضية تثبيت سعر صرف الليرة إما بتحرير هذا السعر من خلال ضوابط مقبولة وتمكين المواطنين من الصرف لدى المصارف أو بتحديد سعر الصرف لدى الصرافين بطريقة جدّيّة.

 

في المحصّلة، المطلوب واحد أوحد: تدخل أجهزة الدولة لحماية حقوق المواطن الاساسية وملاحقة المرتكبين الذين يُضرّون بالقطاع ككل فيصبح من يحترم القواعد والاخلاقيات ضحيّة من يستغلّ وضع طارئ لزيادة أرباحه، وبالتالي، عدم اقتصار الملاحقات على ضعفاء الحال دون غيرهم.