ليس سهلاً ما تمرّ به البلاد، في ظل انتشار فيروس كورونا، وتأزّم الوضع المعيشي للمواطنين. وليس سهلاً على وجه الخصوص ما تمر به مستشفى رفيق الحريري الحكومي، التي تشكّل حتى اللحظة خط الدفاع الأول ضد الفيروس.
ولسخرية القدر، يتهافت السياسيون وبعض أصحاب المال لتدوين أسمائهم في سجلات الإعلام، كمساهمين في دعم المستشفى، عبر التبرعات المالية، فيما حرصوا لسنوات على تهميش المستشفى وسائر المستشفيات الحكومية، كخطوة من الخطوات الممنهجة لتدمير مؤسسات الدولة.
ويدخل عدم اعطاء الموظفين مستحقاتهم، ضمن المنهج عينه.
التعاون مع الدولة
تحمل الدولة المسؤولية الأساس في التعاطي مع الملفات الكبرى، التي تؤثر على الشأن العام وأمن البلاد. لكن من المهم تحمّل القطاع الخاص، وحتى كل فرد لبناني، جزء من المسؤولية، وهو ما أمِلَه رئيس الحكومة حسان دياب، الذي اعتبر أن “الرهان هو على تكافل المجتمع والتعاون مع الدولة التي لا ملاذ إلا بها. والمطلوب اليوم الالتفاف حول الدولة ومؤسساتها”. ومن هذا المنطلق، كانت حملة التبرعات التي هدفت إلى جمع مبلغ مالي لمساعدة مستشفى بيروت وموظفيه، على الاعتناء بالمصابين بالفيروس.
المبلغ لم يُعرَف بشكل نهائي حتى الآن، بسبب التغيّر المستمر للأرقام. لكن المؤكد هو الأرقام التي تبلّغت بها وزارة الصحة، والبالغة “حوالى 14 مليار ليرة”، وفق ما أكدته مصادر في مستشفى بيروت، والتي أشارت في حديث لـ”المدن”، إلى أن “الهيئة العليا للاغاثة ستدفع ملياراً و50 مليون ليرة”. وتُضاف هذه المبالغ إلى مبلغ 6 مليون دولار، الذي تسلّمه رئيس الحكومة، بواسطة شيك مصرفي، من رئيس جمعية المصارف سليم صفير، وذلك خلال استقبال دياب وفداً من جمعية المصارف، برئاسة صفير.
هو التعاون مع الدولة إذاً
لكن يبدو أن خلفيات التعاون حافَظَت على نَسَقها المعتمَد منذ نحو ألفيّ عام، حين تتبرع الأرملة بفلسها الوحيد من دون ضجيج، فيما تُرتَّب اللقاءات والأضواء والضجيج لأصحاب دنانير ذهبية فاضت عن مخازنهم. والمضحك، أنَّ ما يعطيه هؤلاء اليوم، أخذوه بالأمس من المحتاجين، بعد خداعهم بقناع قطاعٍ مصرفي آمن وصلب.
ما يدور في خضمّ المحنة من سباقٍ للظهور والتبجّح تحت شعار مساعدة الدولة، لا ينفي جهود فئة صادقة. لكن الصدق “ما بيطعمي خبز” في شريعة السلطة السياسية، التي يرفض أقطابها التنازل عن جزء يسير ممّا نهبوه، بل استعاضوا عن ذلك بدعوة فضفاضة إلى مساعدة الدولة.
صوت المعركة
لم تفارق دعوات الوقوف إلى جانب الدولة أفواه أقطاب الطبقة السياسية، من رأس الهرم إلى قاعدته. وتمادى هؤلاء في الدعوة إلى درجة إلقاء اللوم على الناس، وتحميلهم المسؤولية، لحد دفعهم للتخلي عن مورد رزقهم، تحت وطأة شعار “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”.
لكنّ احداً من الداعين، لم يلتفت لأحوال الجنود في تلك المعركة. وأبرز الجنود وأوّلهم، هم موظفو مستشفى رفيق الحريري، الذين “يتمترسون” على خط النار الوبائي، من دون سلاح ولا زاد… والسياسيون يرددون الشعارات من داخل غرفهم.
علّق الموظفون آمالاً على لقائهم مع المسؤولين في مكتب وزير الصحة.
ومرة جديدة، وَعَدَ المسؤولون باسم وزيرهم، “بالتواصل مع مدير مستشفى بيروت ليدفع المستحقات ضمن جداول شهر نيسان”.
نَقَلَ وفد الموظفين الذي التقى مسؤولي مكتب الوزير، ما وُعِدوا به، إلى الجمعية العمومية للموظفين. فكان التململ سيّد الموقف: “فالجميع غير واثق ويترقّب مطلع نيسان المقبل”، حسب ما تقوله المصادر.
ما وَعَدَ به المسؤولون، لم يسمعه مدير المستشفى فراس الأبيض، الذي أكد لـ”المدن”، أن “وزير الصحة سيحلّ الملف على مستوى مجلس الوزراء”.
وهذا الرد، تضعه المصادر في خانة “التنصّل من المسؤولية ورمي الكرة في ملعب الحكومة ووزارة الصحة. وهو نوع من المماطلة والمراوغة وغياب النية بالدفع. علماً أن المدير كان قد وعد الموظفين بالحل، وهو من يضع الجداول ويرسلها الى الوزارة.
رميٌ للكرات بين المسؤولين عن ملف مستحقات الموظفين، وبالتوازي، يُطلَب منهم الصمود في وجه الوباء، انطلاقاً من موقعهم الوظيفي، وبوصفهم جزءاً من المواطنين المفترض بهم مساعدة الدولة.. من دون أن تساعدهم الدولة بتأمين حقوقهم.
وهُنا، تُطرح علامات الاستفهام حول مصير التبرعات المخصصة لموظفي المستشفى. فإن كانت الحقوق المنصوص عليها في القانون، قد تبخّرت، فهل يضمن أحد أن لا تلقى حصّتهم من المساعدات، المصير نفسه؟