إنقاذ المصارف بالمال العام.. استبدال الـ hair cut ببيع المودعين عقارات الدولة!

2 أبريل 2020

كتب ايلي الفرزلي في “الأخبار”: حمل الوزير السابق محمد المشنوق إلى رئيس الحكومة اقتراحاً يقضي باستبدال الـ hair cut ببيع المودعين أراضي عامة بعد فرزها. بحسب المشنوق، فإن عائدات هذه العملية قد تصل إلى 50 مليار دولار توضع في صندوق سيادي لإدارة أملاك الدولة. المشكلة الأساس للاقتراح أنه قد يُستغل لإعفاء أصحاب المصارف من تحمّل مسؤولية الإفلاس. لكن مع ذلك، يبدو أن الأفكار الحكومية ليست بعيدة عنه

 

في العاشر من آذار الماضي، التقى الرئيس حسان دياب الوزير السابق محمد المشنوق “وجرى عرض للأوضاع العامة”. لكن مع الوقت، وبحسب أكثر من مصدر، تبيّن أن اللقاء تخلله تقديم المشنوق اقتراحاً مكتوباً وتفصيلياً، يشكّل “حلاً لأزمة المخاوف على أموال المودعين في المصارف”، وكذلك يعالج مشكلة المخالفات المرتكبة بحق الأملاك العامة.

 

الحل المركّب المقترح، تعود جذوره إلى عام 2015. في ذلك الحين، وعندما كان المشنوق وزيراً للبيئة، شارك في عضوية لجنة وزارية شملت مهمتها إعداد دراسة عن واقع الأراضي في الدولة تمهيداً لإعادة ترتيبها وإدارتها. لم تكن تلك اللجنة الأولى من نوعها. معظم الحكومات قبلها وبعدها، شكلت لجاناً للمهمة نفسها، من دون الوصول إلى نتيجة. اللجنة المذكورة لم تنجز عملها أيضاً، لكن اجتماعاتها وما عُرض خلالها من معلومات، شكّل قاعدة انطلاق لإمكانية حصر هذه الأراضي، وخاصة بعد جمع المعلومات التي تملكها الجهات المعنية (وزارة المال، وزارة الأشغال، الجيش، ومجلس الإنماء والإعمار…).

 

بالنتيجة، وبحسب مضمون الاقتراح، يتبين أن أملاك الدولة على أنواعها تشمل 60 في المئة من مساحة لبنان. تلك المساحة تشمل أيضاً التعديات التي تطاول الأملاك البحرية والنهرية والبلدية. 1000 كلم مربع من المساحة الإجمالية لهذه الأملاك هي التي يشملها الاقتراح. تُفرز تلك الأراضي إلى نحو مليون قطعة بمساحات مختلفة (500، 1000، 1500، و2000 متر مربع)، على أن يتم اختيارها “في المواقع التي يمكن العيش فيها، أي في ارتفاعات لا تزيد على 2400 متر، مع الحرص على تفادي الأحراج والمحميات والمناطق الأثرية والموارد المائية والأنهار“.

 

بيت القصيد في الاقتراح أنه بعد إجراء هذا العمل من قبل مجلس متخصص، يُنشأ للغاية ويسمى المجلس الوطني لإدارة أملاك الدولة، تعرض الدولة على أصحاب الودائع في المصارف فرصة شراء قطعة أرض أو أكثر من المساحات المعروضة ضمن تسهيلات في الدفع ووفق شروط تهدف إلى إنعاش هذه المناطق وتأمين النهضة فيها من خلال مشاريع إنتاجية وفق تصنيف المناطق إن كانت زراعية أو صناعية أو سكنية أو سياحية.

 

بحسب الدراسة المُعدّة لهذا الاقتراح، فإن الأموال التي تنتج من عملية البيع، والتي تُقدّر بـ 50 مليار دولار بالحد الأقصى و25 مليار دولار في الحد الأدنى، لن تذهب إلى مالية الدولة، بل ستوضع في صندوق سيادي يديره المجلس.

 

يعتبر المشنوق أن للاقتراح إيجابيات عديدة، أبرزها عدم ابتلاع المصارف ودائع الناس، وضبط أملاك الدولة ووضع حد للمخالفات والاعتداءات، وإطلاق عملية النهوض إنمائياً في المناطق من خلال التصنيف الجديد وإقامة قرى نموذجية ومنشآت مفرزة تؤمن آلاف الوظائف.

 

مشكلة الاقتراح، كما يراها مطلعون عليه، تتعلق في سعيه إلى خلط أزمتين للخروج منهما بحل مشترك. أزمة الممتلكات العامة هي أزمة متجذرة وتحتاج إلى حل حاسم لا شك، لكن لماذا يكون حل الأزمة الناجمة عن سوء إدارة القطاع المصرفي عبر بيع أراضي الدولة وتقليص المساحات العامة؟ والأهم، لماذا تقوم الدولة بإنقاذ أصحاب المصارف من أزمة هم سببها، ويرفضون حتى اليوم المبادرة إلى حلها.

 

بحسب دراسة أعدّها رئيس قسم الاقتصاد في إدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية الدكتور بلال شحيطة، فإن “الأراضي هي أهم الموارد التي تملكها الدولة”. كما تؤكد الدراسة المعدّة لمصلحة المركز الوطني للبحوث العلمية أن تلك الأراضي، والتي استبيح أغلبها، يمكن أن تساهم في تنمية البلد على مختلف الصعد.

 

ذلك أمر مسلّم به بالنسبة إلى كل العاملين في الشأن العام، لكن مفتاحه هو إنهاء استباحة الأملاك العامة، ثم إعداد خطط استثمارية مختلفة لهذه الأراضي. مع ذلك، فإن العين الرسمية لم تر سوى بيع الأراضي، أسهل الخيارات وأخطرها. سبق لحكومة الوحدة الوطنية في اجتماعها الأخير (23 تشرين الأول 2019) أن تطرقت إلى الأمر في الورقة “الإصلاحية” التي أقرتها. يشير البند الخامس من الورقة، وهو تحت عنوان “تفعيل إدارة ومردود عقارات الدولة” إلى: تكليف السيد وزير المال إجراء جردة بكافة العقارات المملوكة من الدولة وإجراء تقييم لها وتقديم اقتراح للاستفادة منها خلال مهلة ثلاثة أشهر.

 

اللافت أنه بعد نحو أسبوع من زيارة المشنوق للسرايا الحكومية، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقابلة مع وزير المال غازي وزني أعلن فيها أن من بين الإصلاحات المطلوبة، لتجنيب الودائع الخطر، هو “إنشاء صندوق من أصول الدولة يتعين على المودعين شراؤها“.

 

لقراءة المقال كاملا اضغط هنا