من يحدّد سعر صرف الليرة مقابل الدولار؟ لم يكن هذا السؤال يخطر على بال أحد في السنوات الـ25 الماضية عندما كان رياض سلامة “أسطورة” تثبيت سعر الصرف. إلا أنه بعد إصدار سلامة أمس، التعميمين 148 و149 بات السؤال مطروحاً انطلاقاً من كونهما محاولة تحرير سعر الصرف مموّلة بالمال العام الذي سيصب قسم منه في ميزانيات المصارف ويخلق أثراً تضخمياً ويزيد الطلب على الدولارات النقدية… المستفيد الأول هو المصارف والقوى السياسية، فيما سيحصل صغار المودعين على أوراق نقدية لا قيمة لها فعلياً ولا مجال لإنفاقها أو الحفاظ على قيمتها الشرائية إلا عبر شراء الدولارات النقدية.
خطوات أو ردود فعل؟
تمخّض حاكم مصرف لبنان واللجنة الحكومية، فأنجبا فأرين على شكل تعميمين يستندان إلى “استثنائية ما” فيما هما يبدوان أنهما ردّات فعل؛ التعميم الأول بعنوان “إجراءات استثنائية حول السحوبات النقدية من الحسابات الصغيرة لدى المصارف” وينفذ ضمن فترة ثلاثة أشهر من أجل إغلاق الحسابات التي لا تتجاوز قيمة ودائعها 5 ملايين ليرة أو 3000 دولار أميركي. هذه الحسابات التي تمثّل 61.6% من مجموع الحسابات فيها نحو 1441 مليار ليرة منها 36% بالدولار. التعميم سمح بتحويلها كلها إلى دولارات من مصرف لبنان بسعر 1514 ليرة، ثم يدفعها مصرف لبنان إلى المصارف بالليرة بسعر السوق بشرط أن تدفعها إلى الزبائن الراغبين في سحبها كلّها بعد حسم قيمة قروضهم للمصارف. كذلك أشار التعميم إلى أن الودائع بالدولار سيتم تحويلها إلى الليرة اللبنانية بالآلية نفسها، اي عبر مصرف لبنان، وبسعر السوق. أما التعميم الثاني فهو بعنوان “شراء مصرف لبنان للعملات النقدية الأجنبية“ يمتدّ لستة أشهر ويخلق بموجبه “وحدة خاصة في مديرية العمليات النقدية في مصرف لبنان تتولى التداول بالعملات الأجنبية النقدية ولا سيما بالدولار الأميركي وفقاً لسعر السوق ويمكن لأي من مؤسسات الصرافة من الفئات “أ” الراغبة في التداول بالعملات بأن تتقدم من هذه الوحدة بطلب اشتراك على أن يعود للمصرف حق اختيار المؤسسات المشاركة”. بالإضافة إلى “منصة الكترونية تشمل كلاً من مصرف لبنان و المصارف ومؤسسات الصرافة ويتم من خلالها الإعلان عن أسعار التداول بالعملات الأجنبية سيّما بالدولار”.
تفكيك التحرّكات المستقبلية
بمعزل عن أن هذين التعميمين يخلقان سوقاً إضافية لسعر الصرف تضاف إلى الأسواق القائمة حالياً: سعر الصرف المحدّد من مصرف لبنان بنحو 1507.5 ليرات وسطياً مقابل الدولار، سعر صرف السوق السوداء حيث وصل إلى مستوى 3 آلاف ليرة لكل دولار (ألغى تعميمان أمس السعر الذي سبق أن حدده مصرف لبنان للصرافين والذي حدد لهم سعر الشراء بإضافة 30 في المئة إلى السعر الرسمي)… كل هذه التعدّدية لم تقدّم إجابة واضحة على الآتي: بأي سعر سيحصل المودعون على ودائعهم في المصارف في ظل ما هو متداول عن احتمال اعتماد سعر صرف يتراوح بين 2000 ليرة و2500 ليرة مقابل الدولار؟ هل سيتم التعامل مع كل المودعين بنفس الطريقة؟ هل يمكن الطعن في قرار كهذا؟ من يستفيد من هذين القرارين؟ هل سيمارس مصرف لبنان لعبة ”السوق الحرّة“ التي لم تعد ”حرّة“ بعد تدخله، ليترك للمصارف والصرافين هامشاً واسعاً من الاستنسابية في تسعير الدولار والمضاربة على الليرة؟