الطلاب اللبنانيون متشرّدون بروسيا وهلع بأوكرانيا.. والمصارف تبتلع أموال أهلهم!

5 أبريل 2020
الطلاب اللبنانيون متشرّدون بروسيا وهلع بأوكرانيا.. والمصارف تبتلع أموال أهلهم!

كتبت رانيا حمزة في “المدن”: يعيش الطلاب اللبنانيون في كل من روسيا وأوكرانيا وطأة الخوف، ليس من كورونا وحسب، بل من الموت جوعاً. فيما آلية الحكومة اللبنانية لعودة المغتربين، فقاعة صابون بسبب الشروط التعجيزية أمام الراغبين في هذه العودة، وعقبات الإجراءات التي وضعت لضمان صحتهم. وتحدث رئيس الحكومة أمس عن إعادة 25 في المئة من الأعداد المسجلة.

أكاذيب المصارف
ورغم حديث جمعية المصارف في الأسبوع الماضي، عن حل مسألة التحويلات المالية للطلاب المغتربين الذين يملكون حسابات مصرفية، يبدو أن أحاديث الليل يمحوها النهار. فالمصارف تمعن في إذلال مودعيها في لبنان وأبنائهم في الخارج. وكلام رئيس الحكومة في هذه المسألة لا يتجاوز التمني على المصارف لتقدم التسهيلات الطلاب وأهاليهم. اعتمد رئيس الحكومة على مشاعر المصارف. وتناسى أن طلاب الجامعات لم يصنفوا ضمن “أصحاب الأولوية في العودة”.

الزعتر بات ترفاً
في اتصال مع “المدن” يؤكد ج.ع. (طالب طب أسنان في روسيا) أنه يتحدث باسم ما لا يقل عن ثلاثين طالباً في المنطقة نفسها. وتفرض روسيا حجراً يستمر حتى أواخر نيسان الحالي. لكن مشكلة الطلاب اللبنانيين الأساسية، أنهم عاجزون عن شراء الطعام: “نجمع ما نملك من المال لنشتري معاً ما يمكننا تقاسمه لندخر في النفقات. ومن يملك طحيناً يعجن لنصنع الخبز. معظمنا يعيش على الزعتر. وبعد أسبوع لن يكون لدى معظم الطلاب ما يأكلونه”.
بدأت أزمة الطلاب اللبنانيين في روسيا مع توقيف البنوك بطاقات السحب. أحدهم يقول: “معظمنا يعيش في شقق سكنية. السكن الجامعي سيء جداً. نتشارك الشقق والإيجارات”.
قبل الأزمة، كان أهالي الطلاب يضعون المال لأبناءهم في الحسابات بالليرة اللبنانية، ويقومون هم بسحبها بالعملة الروسية. لكن مع وصول سعر صرف الدولار إلى نحو ثلاثة آلاف ليرة، فإن من كانوا يحولون لولدهم 600 ألف ليرة أي 400 دولار، باتت اليوم لا تصل إلى مئتي دولار.
وإذا كنا لا نملك ثمن قوتنا اليوم، فمن أين لنا أن نشتري تذاكر السفر؟

التدريس مستمر!
ويقول أحد الطلاب: “تواصلنا مع السفارة اللبنانية، لكن الشروط المطلوبة تعجيزية ولا تشمل نصف الطلاب في روسيا. لكن روسيا لم توقف العام الدراسي. والدراسة مستمرة. فكيف نترك جامعاتنا؟”.
وأضاف: “تشترط الجامعة على الطلاب اللبنانيين الراغبين بالعودة، دفع كامل قسط الجامعة. وتشترط على السفارة تأمين المواصلات من المدينة التي نقيم فيها إلى المطار. كيف سنصل إلى المطار في ظل توقف النقل العام في روسيا؟ وكيف يسدد الطالب القسط كاملاً في ظل هذه الظروف؟ لذا العودة إلى لبنان مستحيلة بنسة 90 في المئة”.
يشدد الشاب على أن “الروح الرياضية” هي التي تمنحهم القدرة على “الصبر”. وهناك دعم معنوي يتلقونه من الدكتور بشير سماحة رئيس اتحاد الجامعات العربية في روسيا. أما السفارة اللبنانية “فلم تقدم سوى استمارة وطلبت تعبئتها ثم دخلت في غيبوبة”.
أما الحل فهو إعادة فتح البطاقات المصرفية التي كانوا يستخدمونها بالليرة اللبنانية، وإلاّ فإنهم سيواجهون “خطر التشرد والجوع”.

الجالية 6 آلاف
الوضع الصحي العام في أوكرانيا غير مطمئن فكورونا يتفشى بسرعة هناك، في مقابل ضعف الإمكانات الصحية في البلد. فأوكرانيا حصلت على فحص الكشف عن الفيروس مؤخراً. ويتخبط الطلاب بين مطرقة الخوف من المرض وسندان الشحّ في الأموال الذي يهددهم بالجوع.
وفي اتصال “للمدن” مع رئيس الجالية اللبنانية في أوكرانيا الدكتور علي شريم قال: “منذ أسابيع بدأ الهلع في ظل ضياع وتخبط الجهة الرسمية التي كان يجب عليها المبادرة وتهدئتنا لكنها لم تفعل ذلك”.
لذاعمدت الجالية إلى تأمين وسائل الوقاية قدر المستطاع، وكذلك الوجبات اليومية للطلبة المقطوعين بسبب المصارف، وتأمين الفحص المجاني لكل لبناني تظهر عليه عوارض الفيروس.
يلفت شريم إلى أن عدد أفراد الجالية يبلغ نحو ستة آلاف تقريباً، نصفهم من الطلاب. وهناك أقله 500 شخص يريدون العودة. وهم لا يطلبون العودة على نفقة الدولة وهناك طواقم طبية مستعدة للمرافقة.
بعض الطلاب كانوا يعملون وتوقفت أشغالهم نتيجة الحجر. وتساءل طالب: “ما نفع البعثات الدبلوماسية الذي يصرف عليها مئات الملايين من الدولارات سنوياً، إن كانت لا تفعل شيئاً؟!”.
وتروي نتالي دياب (طالبة طب) معاناتها، فلا تفصلها عن معاناة أهلها في لبنان في ظل تخبط البلد في أزماته الاقتصادية، لاسيما أزمة الدولار والمصارف. وأشارت إلى أن الناس “لا يلتزمون بتاتاً الحجر. وأعداد المصابين إلى إرتفاع وهذا يرعبنا”.
وسبق لأوكرانيا أن حظرت التعامل مع بنوك لبنان. جرت العادة أن يتلقى الطلاب الحوالات المالية عبر شركات تحويل الأموال. لكن هذه الشركات مغلقة: “لذا، كل شيء مرتبط الآن بعودتنا إلى لبنان في أقرب وقت ممكن”، تقول دياب، مشيرة إلى أن الجالية في أوكرانيا تؤمن للطلاب بعض الطعام.
مع أسعار تذاكر الطيران الباهظة، تستحيل العودة. ويتساءل البعض: “لا أفهم لماذا الأولوية للعائلات؟ معظمهم لديهم هنا حياتهم وأعمالهم المتوقفة موقتاً. ولماذ الأولوية لمن هم دون سن الثامنة عشرة؟”.
وتختم دياب: “الحل الأمثل، في ظل الوضع الصحي الدقيق والخطير هنا، أن نعود إلى لبنان ونكون بجوار أهلنا الذين ينتظرون عودتنا. وإذا كانت الدولة عاجزة عن تغطية تكاليف العودة، فلتجعل التكلفة معقولة، وتسهل الأمر علينا”.
ابتلاع البنوك أموال المودعين شرد طلاباً في أوكرانيا، وشاهدوا على الشاشات التلفزيونية متبرعين يتنافسون في مزادات الإحسان. فهل البؤس لعنة ترافق المواطن اللبناني في بلده وفي بلاد الاغتراب؟