‘الخطة الإنقاذية’ تفتح القنوات للتهرّب من المسؤولية.. ‘Hair cut’ بديل عن الإصلاح؟

14 أبريل 2020
‘الخطة الإنقاذية’ تفتح القنوات للتهرّب من المسؤولية.. ‘Hair cut’ بديل عن الإصلاح؟

تحت عنوان مقصلة “Hair cut” بديل عن الإصلاح، كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”: توالت في الأيام الماضية الأخيرة التحذيرات من المسّ بالودائع المصرفية من كل حدب وصوب. وعلى الرغم من عدم إشارة “الخطة الإنقاذية” إلى الـ Hair cut، فإن ما قيل عن ردم الفجوة النقدية بحجم 83 مليار دولار، وما حكي عن إعادة هيكلة القطاع المصرفي، فُهم منهما شيء واحد: “قصّ للودائع” بنسبة لا تقل عن 50 في المئة في أحسن الأحوال. فهل هذا صحيح، أو أن ما أثير لا يتعدّى كونه “عاصفة في فنجان”؟
“الإستعراض” الحكومي المدجج بآراء المستشارين الدوليين وجه سهامه نحو “المركزي” والقطاع المصرفي، محملهما مع المودعين “الكبار” مسؤولية تسديد كلفة الإنهيار. المصارف لم ترفع الدروع وتحتمي، بل بادرت إلى هجوم إعلامي وقانوني للدفاع عن ما وصف “بقص الودائع”. فتحركت أفواج “بيادق” المودعين سريعاً داحرة “الخطة” إلى الخلف، فنفضت “بعبدا” يدها من خطة “لازارد”، وحققت المصارف فوزاً كاسحاً في الجولة الأولى.

Hair cut ليس سطواً

الصحيح الوحيد في الخطة بتقدير كلفة الأزمة، تقابله معركة على من سيتحملها. الدولة كعادتها ذهبت باتجاه اسهل الخيارات بتحميل المودعين الكلفة عبر تنفيذ Hair cut متوحش، ينافي المنطق. في المبدأ، يتميز الـ Hair cut بمجموعة من الخصائص أبرزها الإقتطاع المعتدل وتحقيق الإفادة. وبالتالي هي ليست “ضربنا إيدنا وشلنا مصاري”، يقول المحامي المتخصص في الشأن المصرفي عماد الخازن. وإلا تكون Hair cut عملية سرقة ونصب. فالشكل الحديث المعتمد عالمياً يتمثل في إلغاء تجميد الاموال لفترة طويلة من دون أي فوائد، أو حتى الغاء الفوائد بمفعول رجعي، وتنفيذ bail out بدلا من Bail in بمعنى تفضيل المودعين بين تجميد حساباتهم لفترة من دون فوائد أو أخذ مبلغ من الوديعة مرة واحدة ونهائية، بحسب اتفاق على النسبة، وفي هذه الحالة يكون المصرف احتفظ بجزء من الوديعة لصالح الخزينة أو لصالح مصرف لبنان او لصالح دعمه عبر الخزينة بطريقة غير مباشرة. كما ان هناك شكلاً من الهير كات يتضمن إنشاء صندوق سيادي أو Bad bank، توضع فيه الأصول المتعثرة أو النسبة غير المسددة من الودائع مقابل أسهم.

التمييز بين المواطنين

هذا من حيث المبدأ، أما قانوناً فان وزير العدل السابق ابراهيم نجار ذهب أبعد من ذلك، بتوجيه ملاحظات للحكومة والاضاءة على ان القانون “لا يجيز التمييز بين المواطنين، عملاً بمبدأ المساواة أمام الأعباء العامة وبالتالي لا يصح القول بأن 90 في المئة يكون في مأمن من وضع اليد على ودائعه، في حين يجوز ذلك على البقية، فإما تدابير عادلة وإما استباحة احكام القانون”.

وأضاف نجار ان “وضع اليد على أموال المودعين لم يحصل في مصر ولا سوريا في أحلك الظروف حتى وقت تأميم المصانع والاراضي الزراعية. ان الدولة مسؤولة قانوناً عن تصرفها غير القانوني وعلى أملاكها هي طالما كانت هي التي قررت التصرف بأموال لا تملكها”.

تفترض العدالة في توزيع الخسائر البحث عن أكثر من استفاد من هذه الكلفة المقدرة بـ 83 مليار دولار.

الاموال المنهوبة أولاً

وعلى عكس الإيحاء دوماً بأن المودعين هم الأكثر استفادة يرى الخبير الإقتصادي جان طويلة ان المستفيدين يتوزعون على ثلاث فئات:

أولاً، وهي الفئة الأكبر تتمثل بالسلطة السياسية المتحكمة في إدارة الدولة، والتي وظفت الفساد والزبائنية والمحاصصة والهدر لمصلحتها طوال سنوات.

ثانياً، الشعب اللبناني أجمع من خلال تثبيت سعر الصرف والذي لم تنحصر فوائده على طبقة أو شريحة دون أخرى.

ثالثاً، كل من استفاد من الفوائد المرتفعة.

من هنا فان العدالة برأي طويلة “تفترض توزيع الكلفة على الجميع بقدر من استفاد أكثر، وعدم حصرها بفئة معينة”. ولعل أكثر من استفاد هم الطبقة السياسية ومدراء الصناديق ومبرمو العقود مع الدول وغيرهم ممن تعاطى الشأن العام بقلة مسؤولية. والواجب أولاً هو إقرار وتنفيذ قانون استعادة الاموال المنهوبة، قبل الشروع بتحميل الكلفة لعموم الشعب اللبناني.

المصدر الثاني يجب ان يكون من خلال الخصخصة التي لم يذكر عنها شيء في الخطة. فبالإضافة الى تحسين الخدمة والانتاجية، فان من شأن الخصخصة تخفيف العبء عن الدولة والحد من عجز الخزينة الناتج أولاً عن حجم قطاع عام متضخم. ومن الممكن، برأي طويلة، “البدء بمصرف لبنان الذي تقدر نسبة أصوله الى ناتجه الإجمالي بحدود 270 في المئة، فيما المعدل في المصارف المركزية حول العالم يتراوح بين 60 و 70 في المئة. وعليه فان الحاجة تفرض علينا اليوم اعادة النظر بالأصول الضخمة المتمثلة بالأراضي والعقارات والشركات، كالكازينو وانترا وطيران الشرق الاوسط… واعادة هيكلة المركزي على أسس سليمة”.

رسملة المصارف

من بعد استعادة الأموال المنهوبة والخصخصة وهيكلة مصرف لبنان يحين وقت إعادة النظر بالقطاع المصرفي وبرسملته واعادة هيكلته. فتحقيق الشروط الثلاثة الأولى يخفّض الضرر إلى ادنى مستوياته على أصحاب الودائع. لكن هذا لا يعني، بحسب طويلة، “إنتفاء الحاجة الى المشاركة بتحمل جزء من الخسائر، انما بأقل قدر ممكن”.

تحمّل الخسائر في القطاع المصرفي يجب ان يتدرج من أموال أصحابها ومساهميها الخاصة ليصل في النهاية الى المودعين عبر ما يعرف بـ “Bail in” اختياري، أي تحويل جزء من ودائعهم الى أسهم في المصرف. وإذا كان من حاجة الى تدفيع كبار المودعين، فيكون من الفوائد الباهظة التي استفادوا منها بعد العام 2016 تحديداً، وليس من اصل المبلغ.

إقفال فجوة الـ 83 مليار دولار من خلال استعادة الاموال المنهوبة، هيكلة مصرف لبنان، خصخصة مؤسسات الدولة والحصول على قروض ميسرة من صندوق النقد الدولي الذي سيراقب آلية تطبيق الخطة… عوامل من شأنها إدخال دولار جديد الى الدورة الاقتصادية يحرر “الدولار” العالق في المصارف.