طوابير خبز يوم الاثنين.. ووزير الاقتصاد يلوم المواطنين

اتحاد أصحاب الأفران والمخابز أكد عدم مسؤوليته عن الاكتظاظ الذي سيحصل أمام الأفران

17 أبريل 2020
طوابير خبز يوم الاثنين.. ووزير الاقتصاد يلوم المواطنين
خضر حسان
تجتاز المخابز والأفران بسهولة العوائق التي تحاول وزارة الاقتصاد وضعها، للحد من أرباحها التي تتجاوز 40 بالمئة. فلا يجد اتحاد نقابات المخابز والأفران تكافؤاً في حجم القوّة بينه وبين الوزارة، لأن الأخيرة تعلن استسلامها بسرعة، تاركة للاتحاد فرصة اختيار وسائل الضغط على الدولة، لقبول مطالبه أو لتحسين شروط التفاوض. ويعتمد الاتحاد المواطنين كمحور لتطبيق وسائل الضغط، عبر تهديد لقمة عيشهم.

تذكير بالحرب الأهلية
فشلت “المفاوضات مع وزير الاقتصاد والتجارة”. فقد عجز الاتحاد عن فرض رفع سعر ربطة الخبز بعد سلسلة لقاءات مع الوزارة لبحث زيادة سعر الربطة، بفعل ارتفاع كلفة انتاجها بالتزامن مع ارتفاع سعر صرف الدولار. ومع هذا العجز المترافق مع عدم امكانية خفض وزن الربطة، أخذ الاتحاد المواطنين كرهينة للضغط على الدولة. وبدل الإضراب والامتناع عن الانتاج، وهو الأسلوب المعتاد لاعتراض الاتحاد، ذهب أصحاب الأفران والمخابز إلى عدم توزيع الخبز على المناطق، وبالتالي قرر الاتحاد “الابقاء على بيع الخبز في صالات الأفران دون سواها، اعتباراً من صباح يوم الاثنين 20 نيسان 2020 بالسعر والوزن الحالي”. وأكد الاتحاد “عدم مسؤوليته عن الاكتظاظ الذي سيحصل أمام الأفران”.

اعتمدت الأفران والمخابز خيار تذكير المواطنين بطوابير الخبز إبّان الحرب الأهلية. فحصر أماكن بيع الخبز يعني حكماً التجمّع أمام صالات الأفران، وهو ما أكّده الاتحاد عبر سحب يده عن نتائج الاكتظاظ المحتّم.

خيار الطوابير لا يعني رغبة الأفران والمخابز العودة إلى الاقتتال الداخلي، بل التذكير بقوة منتجي الخبز في الحرب والسلم، والتأكيد على غياب سلطة الدولة، وهو ما يتوافق مع نتائج الحرب.

إلى جانب صورة الحرب، تغامر الأفران والمخابز بتعريض حياة الناس للخطر في ظل انتشار فيروس كورونا، فالتجمّعات التلقائية التي سيفرضها القرار ستزيد خطر الاصابة بفيروس كورونا، وصالات البيع لن تأخذ على عاتقها حماية الزبائن.

تعزيز شروط التفاوض
يعلم الاتحاد جيداً تبعات قراره الذي يصب في خانة التمرّد على الدولة، وهو على الأغلب، يرفع سقف اعتراضه ليحسّن شروط التفاوض مع الدولة، فهذا ما اعتاده الطرفان طوال مسيرة رفع سعر الربطة أو خفض وزنها. ولجوء الاتحاد إلى تحسين شروط التفاوض، يعني من زاوية أخرى، ابتزاز الدولة، وهو خيار تعتمده أغلب القطاعات الخاصة ذات التأثير على الاقتصاد أو حياة المواطنين اليومية. وليست الحرية المطلقة التي تعيش ضمنها المصارف والهيئات الاقتصادية وأصحاب مولدات الكهرباء الخاصة، سوى أدلة على استقالة أركان الدولة من مسؤولياتهم، وعلى أن الابتزاز هو سلاحها الأمضى لتحقيق المطالب.

وإن كان على الدولة تجاهل ابتزازها في ظل الاستقرار الاقتصادي والنقدي، فعليها الحفاظ على شيء من كرامتها في ظل الظروف الصعبة، وإجبار أركان الإنتاج على الانصياع لما تفرضه الظروف، وعلى رأسها عدم رفع الأسعار ورفع معدلات الاحتكار والمضاربة. وكما تفرض الدولة التعبئة العامة على مواطنيها وتحرر محاضر ضبط فورية ومباشرة بحق المخالفين، عليها فرض تعبئة عامة على كبار المنتجين والمتحكّمين بالسلع وأسعارها. وفي ما يخصّ الخبز تحديداً، قدّمت الدولة عرضاً سخياً ومنصفاً وعادلاً لمنتجي الخبز، وهو تشكيل لجنة لتحديد كلفة انتاج الخبز، وبالتالي تحديد السعر المناسب للربطة، على أن تتمثّل الأفران في اللجنة، لكن نقابة أصحاب الأفران رفضت وأعلنت الإضراب مباشرةً، في تحدٍّ واضح للوزارة والدولة عموماً.

التمرد الذي تقوم به الأفران هو دليل على عدم وجود نية لدى السلطة بتصحيح جزء من أخطائها المتعمّدة بحق لقمة عيش المواطنين. حتى أن الحكومة الحالية التي ادّعت أنها تحمل صوت المنتفضين في الشوارع، أعلنت عدم رغبتها بتحمّل مسؤوليتها.

واذا كانت الحكومة غير قادرة على انتهاج مسار مغاير للحكومات السابقة، وتحديداً في ملف أسعار السلح ومنع التلاعب بالأسعار، فهي اذاً لا تختلف عن سابقاتها ولا تمثّل المنتفضين، بل تضرب بسيف أرباب القوى السياسية الذين ركّبوا هذه الحكومة، لتسيير أمورهم في الظروف الاستثنائية، مع الابقاء على الخطوط العريضة لسياساتهم، ومنها عدم المس بمكتسبات كبار التجار المحميين سياسياً.

لا بوادر إيجابية
تتراجع الأفران والمخابز عن قراراتها بعد تدخلات سياسية مباشرة وواضحة، وبالتحديد من قِبَل رئيس مجلس النواب نبيه بري. وهو ما يُرجَّح حصوله قبل يوم الاثنين. ومع الإيجابية قصيرة المدى للتراجع، تتعزز السلبية طويلة المدى، فاعتماد مبدأ استبدال الحلول المؤسساتية بالحلول السياسية الفردية، يدعم موقف الأفران والمخابز وغيرها من أصحاب القطاعات، ويشجّعها على ابتزاز الدولة والاستقواء على الوزارات في أوقات التفاوض، لأن مرجعية القرارات في يد سياسيين متحكّمين بمفاصل الدولة، لا بيد الوزارات أو الإدارات العامة التي تستند إلى القوانين.

هذا الجزء من المشهد، يُكمله الجزء المتعلّق بغياب نية وزير الاقتصاد راوول نعمة التحرك جدياً لحسم مسألة سعر ربطة الخبز، وكف يد المخابز والأفران عن تهديد المواطنين. فالوزير حدد نسبة 30 بالمئة كسقف للأرباح، لكن المخابز لم تقف تحت هذا السقف، حين تربح أكثر من 40 بالمئة، علماً أن وصول الوزارة إلى المخابز والأفران لضبط السعر، أسهل من ضبطها الأسعار في كافة المحال التجارية، ومع ذلك، لم يحصل شيئاً.

السعر الأرخص
تراخي نعمة اتجاه ربطة الخبز، توافق مع تراخيه اتجاه اسعار باقي السلع. وبدل تحمله مسؤولية ضبط الأسعار، رمى نعمة المسؤولية على المواطنين. ففي لقائه يوم الخميس 16 نيسان، مع مجموعة من المواطنين المشاركين في ثورة 17 تشرين الأول، دعا نعمة المواطنين إلى البحث عن البائع الذي يعطي السعر الأرخص، أي أن الوزير يريد من المواطنين التنقّل بين أكثر من بائع لاختيار مجموعة من السلع، وهذا الإجراء العبثي أصلاً، يعني تحميل المواطنين أعباء إضافية بفعل استهلاكهم كميات أكبر من الوقود أثناء البحث، ناهيك باضاعة الوقت. كما دعا الناس للتوقف عن شراء البيض والدجاج لمدة ثلاثة أيام، كإجراء لخفض أسعارها.

تلقائياً، سيبحث المواطن عن السعر الأرخص، لكن هذا الإجراء يبقى فردياً ولا يحل أي أزمة، بل هو وجه من وجوه تخلّي الدولة عن مسؤولياتها. ودعوة الوزير هي اعتراف بأن أسعار السلع ومن ضمنها الخبز، لن يتم ضبطها بقرار رسمي، ما لا يترك خياراً أمام الناس سوى التخبط بفوضى غير مضمونة النتائج في ظل ما تمر به البلاد.

المصدر المدن