العملية التي تختصر بثلاث كلمات، تتطلب وقتاً للإنجاز والدخول حيز التنفيذ. وهي تقسم على أكثر من مرحلة. تبدأ الاولى بالمشاورات ونقاش الخطة بين الطرفين، ليليها في المراحل اللاحقة تحديد كيفية التمويل وحجمه ونوعه وغيرها الكثير من الامور التقنية.
أجواء الصندوق إيجابية
الأجواء إيجابية جداً و”لو لم تكن كذلك لما كنا ارسلنا خطتنا للمرة الثانية إلى الصندوق، بعد إدخال التعديلات على المسودة الاولى، وقدمنا طلب المساعدة بشكل رسمي”، يلفت مسؤول حكومي رفيع المستوى، مستبعداً “فيتو أميركي على قبول الصندوق بالمساعدة، بسبب تركيبة الحكومة الموالية لحزب الله”.
الاطمئنان الرسمي لوضع صندوق النقد “كتفاً” مع الحكومة لرفع أخطر أزمة اقتصادية ومالية واجتماعية يواجهها لبنان في تاريخه، لا يعني بالضرورة النوم على حرير “الصندوق”. كما أن “فترة السماح” التي أمنتها الظروف الدولية نتيجة اجتياح أزمة كورونا وانهيار اسعار النفط عالمياً لا تعني “حط” الحمل، فالمشوار لا يزال طويلاً والتحديات كبيرة جداً، و”التفضّي” في الوقت بدل الضائع للاصلاحات الداخلية في ظل “الحظ الإيجابي”، أمر أكثر من ضروري لئلا تذهب كل الجهود سدى.
المسؤول الحكومي يؤكد ان الظروف سمحت للبنان بتحقيق بعض الايجابيات فـ “انخفاض أسعار النفط دفعنا إلى التحوط من أجل تأمين حاجة كهرباء لبنان لعامين إلى الامام، وهو ما سيوفر على الخزينة مبالغ هائلة من المال. كما ان هذه الخطوة تترافق مع مفاوضات مباشرة تجريها الحكومة مع كل من شركتي “سيمنز” و”جنرال الكتريك” اللتين تعملان على تقديم مناقصات بشكل سريع جداً، وذلك من أجل وضع حد لنزيف الكهرباء المستمر. وفي جميع الأحوال فان التحويلات الى مؤسسة كهرباء لبنان ستبدأ بالانخفاض هذا العام لتصبح في العام 2024 تعادل صفراً بحسب الخطة الموضوعة”.
حظ ايجابي
الوفر على الخزينة لم يأت من الكهرباء وحدها، فانهيار سعر الصرف خفّض كلفة الرواتب من حدود 6 مليارات دولار (8500 الف مليار ليرة) الى حدود 2.1 مليار دولار. هذا ودفع تراجع الاستهلاك الداخلي بمعدلات قياسية الى تقلص ميزان المدفوعات في الاشهر الاربعة الاولى من العام الحالي.
تخفيض النفقات هو الأساس
الخطة تأخذ في الاعتبار تعزيز وتحسين المالية العامة، من خلال تعزيز الايرادات وتخفيض النفقات من دون البدء بتطبيق الضرائب الجديدة في المرحلة الاولى من الخطة، وذلك بسبب الانكماش الاقتصادي، على ان تبدأ الضرائب الجديدة في الظهور في المراحل المقبلة مع بدء الانتعاش.
إنتقادات المصارف
رغم ذلك فان الملاحظات والانتقادات على الخطة لا تزال كبيرة وتحديداً من المصرفيين، الذين يشتمّون فيها رائحة تغيير النظام الاقتصادي الحر والليبرالي. فهل هذا صحيح؟
كل المعطيات تشير الى ان الخسارة قد وقعت وهي تقدر بـ 83.5 مليار دولار مقسمة على الشكل التالي، خسارة المركزي تساوي 53 مليار دولار. وهناك قروض متعثرة في القطاع الخاص بقيمة 12.5 ملياراً، وديون سيادية غير محصلة موزعة بين سندات الخزينة واليوروبوندز تقدّر بـ 17.3 مليار دولار. أما الحلول فهي باعادة هيكلة القطاع المالي وتوزيع الخسائر خصوصاً بعدما خسرت المصارف رساميلها المقدرة بـ 20 مليار دولار. وبحسب المصدر الحكومي فان الخيارات المتاحة أمامنا هي اعادة الرسملة او إدخال مساهمين جدد أو الاقتطاع عبر عمليات الـ bail in”. الا ان هذه العملية بدورها تطرح العديد من الاشكاليات والاسئلة التي لم تلاق بعد أي جواب عن دور المودعين الجدد والمساهمين السابقين الذين خسروا أموالهم وحصة اصحاب المصارف وحجم القطاع وعدد المصارف. أما الاخبار عن نية مبيتة لتغيير وجه لبنان الاقتصادي فينفيها المصدر الحكومي ملمحاً الى ان “الحسابات فوق الـ 100 مليون دولار تعود الى 22 مودعاً فقط”. الأزمة المعيشية
الثقل على كاهل المواطنين سيكون كبيراً في السنوات المقبلة، والازمات المعيشية ستزداد على الرغم من تأجيل النقاش بسعر صرف الدولار، وازالة بند تجميد الاجور لمدة سنتين من الخطة. الا ان هذا لا يعني ان الازمات قد حُلت، ولكن يجري التخفيف منها عبر برامج دعم الاسر الفقيرة. ففي الوقت الذي توقف فيه مشروع الـ 1.2 الف مليار ليرة لمساعدة الاسر الفقيرة، “وزعت الدولة مبلغ 75 مليار ليرة وتعمل على انفاق مبلغ 300 مليار جديد لمساعدة الاسر الاكثر حاجة والمعوزين، وهي مبالغ سبق ورصدت من احتياطي الموازنة”، يقول المصدر الحكومي.
تنفيذ الاصلاحات، استعادة الثقة والخروج من المعادلات النسبية وترقيم المؤشرات…عوامل لا بد لها ان تعطي نتيجة في حال طبقت بشفافية. الا ان الخوف هو الاخلال مرة جديدة بالوعود وتوقف المساعدات أو تأجيلها (مؤتمر سيدر خير دليل)، أو حتى الغائها لتصبح النكسة أسوأ بكثير من المرض بحد ذاته”.