وتهدف الاجتماعات التي ستبدأ هذا الأسبوع بين لبنان صندوق النقد، بحسب الخبير القانوني الدولي في الشؤون الاقتصادية والمصرفية علي زبيب لـ”لبنان24″ إلى تبادل الافكار ووجهات النظر، ووضع أجندة أو خطة عمل بالاضافة إلى عملية جمع المعلومات، وعليه من المبكر الحديث عن برنامج الآن، كون هذا الأمر يحتاج لعدد من الموافقات والاجراءات التي تتسم بالبيروقراطية داخل الصندوق.
أما بالنسبة لمشروطية الصندوق والتي تخشاها الحكومات ومنها الحكومة اللبنانية، فتتعلق بالاجراءات الواجب اتخاذها من قبل السلطتين التنفيذية والتشريعة قبل البدء بالبرنامج، وهي عادة تتضمن تشريع قوانين تتعلق بمكافحة الفساد، وقوانين اخرى ذي طابع اداري يحتاج اليها الصندوق للتأكد من أن الدولة الطالبة للبرنامج جاهزة للدخول فيه والإلتزام ببنوده.
بعد البدء بالبرنامج، يقوم عادةً الصندوق، بحسب زبيب، بإجراء زيارات دورية للتأكد من التزام الحكومة بالشروط الموضوعة التي تعهدت بتنفيذها، وما إذا كانت ستقوم بالإصلاحات الهيكلية الأساسية (تحسين الجباية – لجنة وطنية لمكافحة الفساد – رفع السرية المصرفية عن الأشخاص المعرضين سياسياً).
فهل سيحترم لبنان تعهدات الإصلاح ويلتزم بها؟ وهل سيقبل بشروط الصندوق؟
لا شك أن لبنان بحاجة ماسة للتمويل، وبالتالي سيوافق على الورق، يؤكد زبيب الذي يبدي شكوكاً حول قدرة لبنان على تطبيق الشروط وتحقيق الإلتزامات خاصة في ظل خلل دائم وقع في لبنان تاريخياً على مستوى الإلتزام. ولذلك من المُرجح أن يقوم الصندوق بتسديد الدفعة الاولى والتي ستُستتبع بزيارة متابعة وتحقيق في مآل الامور، ربما لن تكون مرضية لعدم إلتزام الحكومة بالشروط، وبالتالي تجميد البرنامج وإيقاف مد الحكومة بالتمويل.
ولكن هل يمكن الحديث عن نهج تصالحي جديد ينتهجه صندوق النقد تجاه الدول النامية؟
إن أحد أهم أهداف الصندوق الاساسية المُستحدثة بحسب زبيب، هي حماية الطبقات الأكثر فقراً وذوي الدخل المحدود، وهي قد أصبحت من أهم المعايير التي يتم إتخاذ القرارات التمويلية على أساسها. وعليه، فإنه سيقوم بعملية تقليل الاثار السلبية على تلك الفئات من خلال التركيز على فرض ضرائب لا تطال الطبقات الغنية، من هنا يفترض بإجراءات التقشف أن تأخذ بعين الإعتبار الفئات المُهمشة لتفادي زيادة مآسيها.
لا شك أن ما يمر به لبنان على المستويين الاقتصادي والنقدي، دفع بعض الخبراء إلى القول إن لبنان بات يشبه اليونان لناحية وضع المصارف (الضعيفة) ونسبة النمو، وتراجع نسبة الدخل مع ارتفاع الدولار وإقفال الكثير من المؤسسات؛ وان سياسة صندوق النقد في اليونان قد تطبق في لبنان، بيد أن زبيب، يشدد على أن التشابه هو غير منطقي وخاطئ جداً، لعدة أسباب ومنها (1) وجود الإتحاد الأوروبي خلف اليونان، و(2) عدم وجود عملة وطنية في اليونان كونها كانت تستعمل اليورو؛ ولذلك، يمكن القول إنه عندما أصبح مرتفعا عجز الميزان التجاري في اليونان تم توجيه طلب لليونان بخلق فائض في الميزان التجاري. من هنا فإن حالة لبنان تشبه إيسلندا، حيث قامت البنوك بإقراض المصرف المركزي الذي قام بدوره بإقراض الدولة، مما أدى إلى عدم ملاءة المصارف. وهنا لا بد من اتخاذ قرار إما بإنقاذ البنوك عبر تقديم حزمة انقاذ مالي، أو تركها لمصيرها بالإفلاس. ويمكن للصندوق المساعدة في عملية الإنقاذ، ولكن الأرجح أن الاتجاه سيكون نحوعمليات الدمج والإدغام المصرفي.
يبقى الأكيد، وفق بعض المعطيات أن البادرة الإيجابية الوحيدة من التعامل مع الصندوق تتمثل بالقرض الذي قد يوافق عليه صندوق النقد، علما أن قروض لبنان تصنف بالدرجة الثانية. من هذا المنطلق يقول زبيب، إن كل دولة عضو في الصندوق لديها حصة أي كوتا محددة، وعليه ليس هناك درجات في التصنيف، ولكن الكوتا تعكس حجم الاقتصاد، وهي تُمثل مجموع مساهمات الدولة في الصندوق، وتتشابه بواسطة التأمين، وهو ما يفسر قدرة الدولة على الاستحصال على مبالغ تفوق الكوتا المحددة بأضعاف قد تصل الى خمسة.
إن حصة لبنان تقدر بحوالي 850 مليون دولار وهو ما يحق للبنان استدانته، يقول زبيب. لكن وفي حال تم الاتفاق بين الدول الأساسية المُتحكمة بالصندوق، يمكن للبنان أن يحصل على حوالي 4 إلى 5 أضعاف وبالتالي لن يتخطى الدعم المالي أكثر من 4.5 إلى 5 مليار دولار وهو أقل من نصف المبلغ المذكور في الخطة. وهنا لا بد من التذكير، بأنه تاريخياً ولمرة واحدة واستثنائية قام الصندوق بإعطاء الارجنتين 10 أضعاف الكوتا الخاصة به، ولكن النتائج كانت غير مرضية. ومن ناحية ثانية، فإن عدداً لا يستهان به من الأطراف يُعارض تمويل لبنان لاعتبارات سياسية تتصل بوجود “حزب الله” في الحكومة، واعتيارات أخرى اقتصادية إيماناً من المعارضين بأن الأموال ستذهب هدراً كون منظومة الفساد ما زالت قائمة ضمن الهيكلية السياسية والحزبية.
وسط ما تقدم، فإن استعانة لبنان ببرنامج صندوق النقد الدولي، سيفتح الباب على عدد كبير من من المانحين الدوليين، وبالتالي الإستفادة لن تكون محصورة فقط بالتمويل إنما أيضاً ببناء المصداقية.