دمج المصارف.. قرار سياسي أم شرط صندوق النقد؟

17 مايو 2020
دمج المصارف.. قرار سياسي أم شرط صندوق النقد؟

كثر الحديث منذ تشكيل حكومة الرئيس حسان دياب عن إعادة هيكلة القطاع المصرفي مع رغبة من قبل بعض القوى السياسية في إيجاد صيغة لعملية دمج بعض المصارف، لأسباب تتصل بحسب مصادر متابعة، بمصالح آنية وسياسية، خاصة وأن قوى الاكثرية اسوة ببعض قوى المعارضة تحاول تضييع البوصلة ورمي كرة النار التي تسببت بها في ملعب القطاع المصرفي الذي كان ممولاً للدولة ومدين لمشاريعها.
في شهر اذار الماضي وقبل إقرار الحكومة لورقتها الاقتصادية التي تتضمن إعادة هيكلة القطاع المصرفي، أعلن الرئيس دياب “أننا لا نحتاج قطاع مصرفي يفوق بأربعة أضعف حجم اقتصادنا ويجب إعداد خطة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي”. منذ ذلك الوقت وحكومة الانقاذ تنشغل بالدفع نحو دمج المصارف واعادة هيكلة القطاع المصرفي ومصرف لبنان، بيد ان مصادر مصرفية تشدد على أن أي عملية تتصل بالاندماج يجب أن تكون مقرونة بدراسات اقتصادية وقانونية واجتماعية من اجل عدم الحاق الضرر بالقطاع المصرفي واضعافه؛  عطفا على ذلك تقول اوساط اقتصادية، ان هناك من يهدف الى تأسيس مصارف جديدة تخص فئة معينة وضرب مصارف أخرى لانها تعتبر خارج سيطرتها.
ومع ذلك، أحدث قلقا عند جمعية المصارف واصحاب الودائع، تصريح وزير المال غازي وزني لـ وكالة فرانس برس”ان هناك “49 مصرفاً تجارياً، ومن الطبيعي أن ينخفض عددها إلى نحو النصف في المرحلة المقبلة”.
فأين يكمن الهدف الحقيقي لهذا الخيار الذي تروج له حكومة دياب وما مصير الودائع في حال حصل ذلك؟
ما تقدم مرده تخلّف الدولة عن سداد دينها ما أدى الى انكشاف المصارف على الدين السيادي، سواء بالنسبة لسندات اليوروبوند أو شهادات الإيداع في مصرف لبنان، حيث باتت معظم المصارف من فئة ألفا أي المصارف الكبيرة مكشوفة بنسب تجاوز رأسمالها بحوالي 200% في بعض الحالات، وبالتالي لا مفرّ من إعادة هيكلة مصرف لبنان كونه مكشوف أيضاً على الدين السيادي واعادة هيكلة القطاع المصرفي، يؤكد الخبير المالي والاقتصادي وليد ابو سليمان لـ “لبنان24″؛ فإعادة هيكلة مصرف لبنان يعني إعادة جدولة الدين، سواء ذلك الذي يحمله أو مطلوباته من شهادات إيداع تحملها المصارف؛ مع إشارته إلى أن التوقيت يتصل بالترابط بين القطاع العام ومصرف لبنان والقطاع المصرفي، ولذا ثمة حديث عن إعادة هيكلة هذا القطاع بموازاة المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي.
أما بالنسبة لمصير الودائع، فتجدر الاشارة الى أنّ 7 من أصل 10 مصارف كبيرة تستحوذ على 80% من الودائع، وبالتالي الدمج لن يؤدي الى ضياع الودائع أو تبخرها كونها موجودة ورقيا وستحملها المصارف التي ستستحوذ على المصارف الأخرى أو المدموجة.
مما لا شكّ فيه أنّ القطاع المصرفي في لبنان هو قطاع متضخم يفوق حجم الاقتصاد الوطني، وقد تظهر أي مقارنة لواقع هذا القطاع مع دول أخرى هذه التخمة. فسويسرا على سبيل المثال التي يتخطى حجم اقتصادها 700 مليار دولار فيما حجم اقتصادنا 48 مليار دولار، لا يتخطى عدد المصارف فيها الـ10 مصارف. كانت التخمة مبررة في السابق كون هذه المصارف نجحت في الحصول على حصتها من السوق المصرفي. أما اليوم، فيطرح دمج المصارف، بحسب ابو سليمان، لتنقية القطاع أولاً وتمتينه في ظل الركود الاقتصادي والانكماش حيث سيكون من الصعب جداً جذب الرساميل والمشاريع الاستثمارية الخارجية وهي الغرض الأساس لأي مصرف لتحقيق المردود وتغطية التكاليف التشغيلية، أما الهدف الثاني فهو تطبيق المعايير وقرارات بازل 3 من حيث زيادة رأسمال والملاءة وتكوين مؤونات للقروض المتعثرة والانكشاف على الدين السيادي، اذ يتيح الدمج هذا الأمر أمام المصارف لكي ترفع رساميلها والامتثال للمعايير الدولية لأن عدم الامتثال سيعرّض علاقة المصارف اللبنانية مع المصارف المراسلة للضرر إن لم يكن القطع.
لكن لماذا تحجيم القطاع المصرفي وخفض عديده، في وقت أن الخطة تضمنت منح 5 رخص مصرفية جديدة خاصة بالمصارف التجارية؟
لقد عللت الحكومة منح 5 رخص جديدة بأنّ رساميلها ستكون بمليار دولار، أي كل مصرف 200 مليون دولار على أن يكون نصف هذه الرساميل مؤمنة من الخارج أي حوالي 500 مليون دولار لتكون بمثابة دعامة للاقتصاد من باب تأمين سيولة تضخّ في شرايين القطاعات المنتجة، وبالتالي، فإن الغرض من دخول مصارف غير متعثرة إلى السوق، يهدف بحسب ابو سليمان، إلى ترميم الثقة مع المودعين من جديد. وعليه فإن هذه الرخص تستطيع تأمين أموالاً جديدة من دون أن تكون هذه المصارف تعاني من أي تعثر، على أن يكون سلوكها ونمط عملها مختلفين عن سلوك المصارف الموجودة حيث التسليف ذهب بمعظمه لمصلحة الدولة ومصرف لبنان، ليكون نشاط المصارف الجديدة لمصلحة تسليف القطاعات الانتاجية من زراعة وصناعة واقتصاد معرفة. بيد أن  للخبير الاقتصادي الدكتور ايلي يشوعي رأيا مختلفا في هذه النقطة، فهو يقول لـ”لبنان24″ إن عملية الدمج ستؤدي إلى دمج المشاكل والديون الهالكة والعثرات المالية التي تعاني منها المصارف، مشيراً إلى أن تحميل النظام المصرفي والمالي والاقتصادي الذي يعتبر من أهم وأفضل الأنظمة في العالم مسؤولية الانهيار، هو خروج عن الصواب والحقيقة؛ وبالتالي فإن من أساء إلى هذا النظام والى طبيعته هو من يجب أن يحاسب ويلاحق، لا أن يعاد النظر في دور البنك المركزي والمصارف وعددها؛ مضيفا، هناك من يريد تضييع البوصلة، فالقرار السابق الذكر له خلفية سياسية من دون أي شك، فتحجج قوى سياسية معينة بما تعتبره اساءات يرتكبها النظام المالي والنقدي، جعل الحكومة تتجه نحو التلويح بإعادة هيكلة النظام المالي والاقتصادي، وبالتالي لا نعلم الى اي جهنم جديدة تنوي أخذنا هذه السلطة.
وتأسيسا على ما تقدم، فإن الحكومة حين تقرر الامتناع عن سداد ديونها وحين تصبح المصارف مكشوفة على الدين السيادي بنسب مرتفعة جداً أي أكثر من 13 مليار دولار في اليوروبوند و74 مليار دولار في شهادات الايداع والودائع، أي أكثر من 85 مليار دولار، عندها يصبح من الضروري، وفق أبو سليمان، إعادة هيكلة هذا القطاع بعد تعثر المصارف في ظل الارتباط العضوي وامتناع الدولة عن سداد ديونها وتعثر مصرف لبنان بسبب المطلوبات المتوجبة عليه والودائع التي استحوذ عليها لتأمين مدفوعات الدولة وتثيبت سعر الصرف. وهذا الارتباط سيؤدي حكما الى اعادة الهيكلة، قائلاً المسألة ليست طلباً داخلياً فقط، إنما يدخل ضمن شروط صندوق النقد الدولي أيضاً.