قد يكون هذا القرار أول وثيقة رسمية تكرّس ارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية وتضرب ما تبقى من قدرة شرائية لدى المستهلكين، وفي المقابل يساعد التجّار على إعادة تكوين رؤوس أموالهم من جيوب الناس مرتين؛ مرّة من أموال المودعين المحجوزة في مصرف لبنان والمصارف، ومرّة من مداخيل العاملين بأجر، والتي تآكلت بفعل فلتان سعر الصرف. من الآن فصاعداً ستكون هناك تعاميم وقرارات مماثلة تحرّر سعر الليرة.
تعميم ضبابي؟
أصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تعميماً رقمه 557 ينصّ على الآتي:
– يمكن للمصارف العاملة في لبنان الطلب من مصرف لبنان تأمين العملات الأجنبية تلبية لحاجات مستوردي ومصنعي المواد الغذائية الأساسية والمواد الأولية التي تدخل في الصناعات الغذائية المحدّدة في لائحة تصدرها وزارة الاقتصاد.
– تحدّد الآلية والشروط المفروضة للاستفادة من هذه المادة بقرار يصدر عن وزير الاقتصاد والتجارة لهذه الغاية.
– تقدم المصارف المعنية الطلبات موضوع هذه المواد إلى وحدة التمويل لدى مصرف لبنان بعد الموافقة عليها من وزارة الاقتصاد والتجارة.
– يتم تحديد سعر صرف العملات الأجنبية وفقاً للآلية المتبعة لتطبيق أحكام المادة 7 مكرر من القرار الاساسي الرقم 7548 تاريخ 30/3/2000.
وقد جاء هذا القرار بعد اجتماعات كان أبرزها اجتماع بين رئيس الحكومة حسان دياب وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وحصلت اجتماعات أخرى شارك فيها عدد من الوزراء وتجار المواد الغذائية. بعض التجّار الذين اتصلت بهم “الأخبار” أنكروا فهمهم لهذا التعميم، بل اعتبروه ضبابياً كثيراً في انتظار تلك اللائحة التي ستصدر عن وزير الاقتصاد اليوم.
رساميل التجار من جيوب الناس
في الواقع، ليس الأمر متصلاً بفهم التجّار، بل بمدى انسجام التعميم مع مصالحهم، وهو أمر لا يمكن أن يتحدّد من دون لوائح وزارة الاقتصاد التي يفترض أن تجيب عن الآتي: ما هي السلع المشمولة بالتعميم؟ ما هي آليات الاستفادة؟ فهذه الأسئلة تحدّد أي التجّار سيتاح لهم الحصول على هذا التمويل، وستفسح المجال لإعادة تشكيل حلقات الاحتكار التجاري في سوق ضيّقة تتّسم بتركّز مرتفع، وستحدّد الحصص السوقية لكل لاعب ومن يمكنه الاستمرار ومن سيحاول ومن سيسقط.
ثمة الكثير من الأسئلة التي جاءت ضبابية في التعميم. ربما سلامة تجنّب تحديدها قصداً، تاركاً إياها على عاتق وزير الاقتصاد. وربما اتفق على توزيع أدوار بعد كل الاجتماعات التي أدّت إلى صدور هذا التعميم وما سبقه من توتّر بين دياب وسلامة.
ما يروّج له التجّار عن عدم معرفتهم بالسلع المدعومة بهذا التمويل، أو بسعر دولارها، هو تعامٍ مقصود. فالتجّار كانوا موجودين أثناء النقاشات التي تطرّقت إلى السلع المشمولة بالتمويل. كان النقاش يشير إلى أن بعض أنواع الأرز سيكون مشمولاً فقط إلى جانب استيراد السكر والحبوب وحليب الأطفال والسمسم وبعض المنتجات الزراعية ومواد الأعلاف. بعض التجّار طالب بأن تكون الزيوت مشمولة، والمعلبات على أنواعها من فول وحمص وتونة وسردين، والمعكرونة أيضاً. هنا اندلع صراع “تحت الطاولة” بين قلّة من التجّار التي تحتكر بعض السلع وعدد كبير من التجّار يستورد سلعاً مماثلة. الكل يريد حصّة من هذه الكعكة. إنه تمويل مجاني لرأس المال. قبل هذا التعميم عمد التجّار إلى رفع أسعارهم لتعويض قيمة رأس المال من جيوب الناس. إنها سرقة مباشرة لجيوب الناس وقفت الحكومة ووزارة الاقتصاد تتفرّج عليها. عمد بعض التجّار إلى بيع مخزوناتهم من السلع المستوردة بدولار يساوي 1507٫5 ليرات، بأسعار مضاعفة. الحجّة كانت أنهم يحافظون على قيمة رأس مالهم. لا أحد راقب بياناتهم الجمركية وأسعار الاستيراد ولا حتى أسعار الدولار. لعلهم استوردوا كميات كبيرة عندما كان الدولار لا يزال أدنى من 3000 ليرة”. لقراءة المقال كاملاً إضغط هنا.