المشهد يبدو بحسب أحد أبناء القرى الحدودية كأنه سباق مع الوقت. “عشرات الشاحنات المحملة بالمازوت تعبر بوتيرة يومية من أمام أعيننا، ونحن عاجزون عن الحصول على ليترات قليلة لتشغيل المضخات وري محاصيلنا”، يقولها بأسى يتجاوز هموم الوطن المنكوب. تحسّر ابن البقاع يردّد صداه اصحاب المولدات الخاصة، وآلاف المواطنين الراغبين بملء خزاناتهم من هذه المادة الحيوية قبل ان يرتفع سعرها. وسؤالهم الوحيد هو: ألسنا أحق بهذا الدعم في ظل انهيار قدرتنا الشرائية من أي أحد آخر؟
القصة التي أصبحت “على عينك يا تاجر”، أظهرت المهربين وكشفت المعابر والمسهّلين، لكنها لم تشر بعد إلى المصدر. فاذا كانت المنشآت النفطية فارغة، فان مصدر المازوت الذي يهرّب هو حكماً من خزانات الشركات الخاصة. فمن هي هذه الشركات؟ ولماذا تملأ صهاريج التهريب وتمتنع عن تزويد المحطات أو المواطنين؟ وما هي عواقب تزويد نظام محاصر ومتهم بقتل شعبه بالمواد الأولية؟ وهل يطال قانون “قيصر” هذه الشركات، ومن خلفها لبنان؟
إستنزاف الاحتياطي
العنوان السياسي الكبير للتهريب، يخفي وراءه مصالح تجارية ومنافع شخصية. ففي الوقت الذي تباع فيه صفيحة المازوت في لبنان بـ 10300 ليرة، يتخطى سعرها في سوريا 22 الف ليرة لبنانية. وعليه فان الشركات المهربة تحقق بكل صفيحة مازوت مهربة ربحاً يفوق 10 آلاف ليرة لبنانية، وذلك بعد اقتطاع عمولة المهربين. فالسعر الذي تسلم به صفيحة المازوت إلى التجار أو المهربين يدفع بالدولار على أساس سعر صرف 1515. أي ان الصفيحة تباع بحدود 6.8 دولارات وهو الامر الذي يؤمن للشركات نسبة الـ 15 في المئة المرغمة على دفعها بالدولار بسهولة، يضاف اليها ربح يتجاوز العشرة آلاف ليرة بكل صفيحة، وذلك بعد حسم النقل والشحن والعمولات.
وكما اصبح معروفاً فان مصرف لبنان يعطي الشركات المستوردة 85 في المئة من اسعار المشتقات النفطية على سعر 1500 ليرة، في حين انهم يضطرون لشراء الـ 15 في المئة المتبقية من السوق على سعر 4 آلاف ليرة على أقل تعديل. بمعنى آخر فان المستوردين يعطون “المركزي” حوالى 8700 ليرة لبنانية ويأخذون منه 5.8 دولارات، بدلاً من ان يدفعوا ما يقارب 23300 ليرة من السوق الثانوي للحصول على نفس القيمة من الدولار، فيما هم يبيعون الصفيحة بأكثر من 6.5 دولارات أميركية. هذا الفرق الذي يُدفع ممّا بقي من احتياطي في المركزي يعود بشكل أو بآخر للمودعين العاجزين عن سحب دولار واحد. وعليه فان ترك اللبنانيين يستفيدون من هذا الدعم هو مسؤولية اخلاقية قبل أي شيء آخر. “قيصر” والتهريب
المشكلة التي سيواجهها لبنان في القريب العاجل مع بدء تطبيق قانون “قيصر” ستتمثل، بحسب أحد المصادر، بـ”امكانية فرض عقوبات على الشركات التي تمد النظام بالنفط. والمشكلة ان هذه الشركات كبيرة وتعتبر المرشحة لاستيراد المازوت إلى لبنان، سواء للكهرباء أم لحاجات السوق. وذلك بعد إحجام الشركات العالمية عن الدخول في مناقصات مع الدولة اللبنانية، وآخرها كانت سوناطراك الجزائرية. فتسييس قضية الفيول المغشوش أخيراً، وعدم الوصول الى نتائج حاسمة، وإساءة سمعة العديد من الاطراف المحلية والدولية، سيدفع بالكثير من الشركات ان “تعد للعشرة” قبل الدخول بعقد مع الدولة اللبنانية.
في المقابل يبرر العديد من الجهات مسؤولية الشركات المستوردة للنفط المباشرة في التهريب إلى سوريا، بحجة ان الشركات تتعامل مع الموزعين والتجار، وان مراقبتهم لا تقع على مسؤوليتها بل على عاتق الدولة واجهزتها الرقابية والامنية، وانه من الممكن ان يكون المازوت المهرب مصدره خزانات بعض المحطات الكبيرة وليس الشركات. وهذا ما يدفعنا إلى طرح عشرات الاسئلة بحسب المصدر نفسه، ومنها: لماذا تسلم الشركات تجاراً محددين من دون غيرهم وتمتنع عن تسليم البقية؟ ولماذا لا تنقل صهاريجها الخاصة المازوت الى كل المحطات اسوة بالبنزين؟ ولماذا تستمر في تزويد نفس التجار بالمازوت بعد علمها بان المحطات فارغة منذ اسابيع والمازوت يهرب الى سوريا؟ واين هي ارقام البيانات الجمركية عن المازوت المستورد؟ وان كان لا يوجد مازوت فمن أين تأتي الكميات المهربة إذاً؟ أليس في هذه الحالة يصبح الحق عليها؟”. لقراءة المقال كاملاً إضغط هنا.