“قد” لا يكون توقيت رفع الدعم او بالأحرى توجيهه مثالياً، خصوصاً وان الطبقة المتوسطة اندثرت فيما العائلات الفقيرة باتت قابعة في المزيد من بقع الجوع. لكن لا بد من الإشارة الى ان سياسات الدعم لا تخدم الفقراء بقدر الأثرياء والمهرِّبين. أدت سياسات دعم الليرة والقمح والدواء والمحروقات الى نزيف حاد في احتياطيات مصرف لبنان من الدولارات، التي كانت وفقاً لتقرير “فيتش” سلبية منذ عدة أشهر. تفاقمت سلبية الأرقام مع قرار الحكومة بدعم سلّة من السلع خصوصاً مع وصول مستوى التهريب عبر المعابر غير الشرعية للسلع المدعومة، التي تستفيد منها الكارتيلات الخاصة الى نسب غير مسبوقة.
رغم إيجابية الاقتراح، تتساءل أوساط متابعة عن توقيته وعما اذا كان نابعاً من نضوب احتياطيات البنك المركزي، أم انه مدرج من ضمن نصائح صندوق النقد الدولي الذي بُحّ صوت ممثّليه منذ اكثر من 10 سنوات وهم ينصحون بالتخلي عن سياسة الدعم المدمّرة للاقتصاد ككل.الدعم للكارتيلات
عن الموضوع يشدد وزير الاقتصاد الاسبق د. سامي حداد، على انّ “بيع عدد من السلع بأقل من سعرها الحقيقي ليس بالامر السليم. فسياسات الدعم، ورغم انها تهدف الى مساندة ذوي الدخل المحدود، الا ان الاستفادة كانت تذهب للجميع وتحديداً للمهربين المستفيدين من هذه السياسة.
يعاني لبنان اليوم من أحدّ أزمة اقتصادية، فالفقراء باتوا اكثر فقراً، فيما ذوو الطبقة المتوسطة اصبحوا فقراء. بالتوازي مع هذا الاقتراح، يتم العمل مع البنك الدولي على تخصيص مبالغ شهرية نقدية توزّع على ذوي الدخل المحدود وهو ما يُعتبر بداية جيدة، على ان يكون هناك برنامج مستمر كما في كلّ الدول”.
ويضيف حداد: “أثبتت سياسات الدعم فشلها، فدعم الكهرباء قضى على القطاع العام. اليوم تعتبر الليرة أهم سلعة في لبنان، ولخلق نوع من التوازن النقدي لا بد من رفع الدعم عن السلع، بالإضافة الى زيادة تعرفة الكهرباء، والأهم التسريع بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي بعيداً من الزعرنة بالأرقام”.
الدعم يعمّق الـ”haircut”
في الاطار عينه، يعتبر الاقتصادي د. باتريك مارديني أنّ ” الدعم هو أسوأ ما يمكن ان تقره حكومة، وقرار رفعه فضيلة. الدعم يعني تشجيع التهريب فيما أموال الدعم تتراكم ارباحاً للمهربين وللسوق السوداء، ففي ملف المازوت على سبيل المثال، كان الحجم الاستهلاكي للسوق المحلية يناهز الـ 2 مليون ليتر شهرياً. بعد الدعم، تصاعد هذا الرقم ليبلغ 8 ملايين ليتر شهرياً، الجزء الأكبر منه مهرّب الى سوريا. الى ذلك، انقطعت مادة المازوت من السوق المحلية ما خلق سوقاً سوداء. اما الادوية المدعومة، فيتم تهريبها الى تركيا. كلّ ذلك يعني باختصار ان المودعين اللبنانيين كانوا يملكون 122 مليار دولار موضوعة في النظام المصرفي.
لا لُبس في الطرح، في حال تبنيه من الحكومة، علماً ان نقاط الاستفهام التي تحيط به تعود الى اسلوب “التسريب” الذي اعتاد عليه مجلس الوزراء الحالي كلما اراد جسّ نبض الشارع حول قضية معينة، بالاضافة الى الشكوك حول آلية التنفيذ وسُبُل ضمان حصول ذوي الدخل المحدود على المساعدات الموعودة لئلا تتكرر تجربة “الإعانات الكورونيّة”.