في وقت يعلو فيه صوت التحذيرات من فشل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، تبدي وسائل الإعلام العالمية اهتماماً بمسار المحادثات المتعثّرة وبالخلافات الدائرة بين الحكومة والمصرف المركزي والمصارف حول حجم الخسائر.
في تقرير لها، كشفت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية أنّ صندوق النقد حذّر لبنان من أنّ المصرف المركزي راكم خسائر بقيمة 49 مليار دولار، ناقلةً عن مصادر مطلعة قولها إنّ صندوق النقد أبلغ وزير المالية غازي وزني والحاكم رياض سلامة بأنّ الهندسات المالية وتأثير تخلّف لبنان عن سداد سندات اليوروبوند وانهيار قيمة الليرة تمثّل عوامل أدت إلى مراكمة هذه الخسائر.
وأوضحت الصحيفة أنّ هذه الخسائر تعادل نسبة 91% من قيمة الناتج الاقتصادي الإجمالي للعام 2019، بحسب أرقام البنك الدولي، مضيفةً أنّها تعادل تقريباً إجمالي قيمة ودائع المصارف التجارية في “المركزي”.
الصحيفة التي لفتت إلى أنّ تقديرات صندوق النقد للخسائر تنسجم إلى حدّ كبير مع أرقام الحكومة، نقلت عن المستشار المستقيل هنري شاوول قوله: “يدل عدم القبول بالتشخيص إلى أنّ صندوق النقد سينسحب ببساطة”. في المقابل، لفتت الصحيفة إلى أنّ سلامة قال أمام البرلمان الأسبوع الفائت، إنّ حسابات “المركزي” أظهرت فائضاً.
وفي تعليقها، كتبت الصحيفة قائلةً إنّ المصارف المركزية تعمل في بعض الأحيان بخسارة، إذا ما أعيد تقييم أصولها نتيجة صدمة مفاجئة للعملة الوطنية، على سبيل المثال، مستدركةً: “لكن توجيهات صندوق النقد الدولي تنصح بعدم “تجاهل خسائر مماثلة على أمل أن يتم تعويضها”.
على صعيد عمل لجنة المال الساعية إلى التوسط بين الحكومة والمركزي، نقلت الصحيفة عن النائب إبراهيم كنعان تأكيده دعمه للمفاوضات وإعرابه عن قلقه من مقاربة الحكومة، ناقلةً عنه قوله: “تدخلنا لممارسة الرقابة على خطة الحكومة”. كما ردّ كنعان على شاوول الذي اتهم النواب بالسعي إلى تعطيل برنامج صندوق بهدف تأخير الإصلاحات المالية والنقدية التي قد تقوض سلطتهم، واصفاً إياها بـ”العارية من الصحة”.
من جانبها، قالت وكالة “بلومبيرغ” إنّ الحديث عن الحاجة إلى خطة بديلة بدأ في لبنان بعد مرور أقل من شهرين على انطلاق المفاوضات مع صندوق النقد. وشرحت الوكالة بأنّ المحادثات ما زالت في مرحلتها الأولى على الرغم من أنّ الجانب اللبناني عقد 15 جلسة من المحادثات، وذلك على خلفية الخلافات حول حجم الخسائر والجهة التي يتعين عليها تسديدها والإصلاحات “المؤلمة” المطلوبة.
وفي تقريرها المفصّل، نقلت الوكالة عن مسؤوليْن حكومييْن قولهما إنّ قرار لبنان الاعتراف بحجم مشكلته كان أساسياً لجهة إقناع صندوق النقد بأنّه يبدي جدية بشأن إحداث التغيرات التي يطالب بها المجتمع الدولي منذ سنوات. في هذا السياق، تناولت الوكالة إصرار سلامة على عدم وجود خسائر مدرجة على ميزانية “المركزي”، نظراً إلى إمكانية إطفاء الخسائر الطويلة المدى عبر طباعة الأوراق النقدية، محذرةً من أنّ هذه الخطوة تعني إجبار المدّخرين والأجراء على تحمّل الخسائر في وقت تتضخم فيه الأسعار وتنهار فيه الليرة. وكشفت “بلومبيرغ”، استناداً إلى وثيقة اطلعت عليها، أنّ سلامة قدّر الفائض بـ14 مليار دولار.
وفي حين تسير الحكومة بخطتها، نقلت الوكالة عن مسؤول مطلع على المحادثات قوله إنّ خطتها باتت “يتيمة سياسياً”، مستبعداً أن تصمد. من جانبه، رأى مسؤول آخر أنّه يتعيّن على الحكومة تدعيم أرقامها للفوز بتأييد البرلمان من أجل التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد وتمرير الإصلاحات.
وعلى الرغم من أنّ المفاوضات ما زالت في مراحلها الأولى، كشفت الوكالة أنّ الديبلوماسيين والمسؤولين متشائمون بشكل كبير، إذ يجري الحديث عن قرض تتراوح قيمته بين 3 و4 مليارات دولار، في حال تم التوصل إلى اتفاق.