نفخ الاصول
بـ “العربي”، فان هذا التعميم يعني بحسب الخبير والمستشار المالي د. غسّان شماس زيادة أصول المصارف لتصل إلى حوالى 30 أو 40 مليار دولار وفق الحسابات الأولية. وإظهار إمكانيات تغطية المصارف جزءاً كبيراً من الودائع بأصولها الكبيرة.
كيف ذلك؟
من حيث الشكل لا يخالف هذا التعميم برأي شماس “معايير “بازل” لجهة سماحها بإراحة المصارف من تثقيل المخاطر بسبب “الامور المستجدة” مؤخراً، كما وصّفوها. أما من حيث المضمون فان التعميم يتيح زيادة أصول المصارف من دون أن يقدم لها اي اموال جديدة. فمدد فترة الرسملة إلى نهاية العام متيحاً لها استخدام ادوات مالية بالاضافة الى الاموال النقدية. وذلك رغم الشكوك ان يكون باستطاعتها اعادة الرسملة حتى بنسبة 1 في المئة”.
من ناحية ثانية يطلب التعميم من المصارف إعادة تقييم أصولها من أبنية وعقارات، وأكثر من 1000 فرع، 75 في المئة منها ملكها، بحسب القيمة السوقية الحالية. “ما يعني إعادة تضخيم الاصول وزيادة قيمتها الدفترية”، برأي شماس. “فمثلاً الفرع الذي انخفضت قيمته من مليون دولار إلى 650 الف دولار بسبب الاستهلاك، سيتاح للمصرف إعادة تقييمه بـ 4 ملايين دولار”. وباعتقاد شماس فان “قيمة اصول المصارف المقدرة بحدود 13 مليار دولار من الممكن ان ترتفع بحسب الآلية الجديدة إلى 30 أو حتى 40 مليار دولار”. إعادة التخمين هذه ستتم بواسطة المصرف نفسه، ومن ثم يعرضها على “المركزي” ولجنة الرقابة على المصارف التي لها القرار في الموافقة على التخمين الجديد. وهي ستوافق في النهاية لعجزها عن تكليف عشرات الخبراء لإعادة العمل مرة جديدة. وحدها الاصول المستحوذة بواسطة آليات الرهن تعتبر مستثناة من هذه الآلية الجديدة. هذه “الهدية” الاولى التي أعطاها المركزي للمصارف لا تكلفها إلا بدل اتعاب “المخمن”.
“زم” الديون المتعثرة
من الناحية الثالثة يعيد هذا التعميم النظر وفق متطلبات بازل ومعيار IFRS9 بتصنيف الديون المتعثرة. بمعنى ان المصارف غير مضطرة لاخذ مؤونات بنسبة 110 في المئة على القروض المتعثرة (غير المدفوعة) منذ عدة أشهر. فبحسب تعاميم المركزي السابقة قُسمت الديون المتعثرة الى 4 فئات. حيث يعتبر كل قرض تجاوزت مدة تسديده 30 يوماً متعثراً يقع في المرحلة الثانية، وعلى المصرف أخذ مؤونة عليه بنسبة 60 في المئة من قيمته. أما إذا تعدى المرحلة الثالثة تصبح المؤونة 80 في المئة. وفي المرحلة الرابعة (التي تقع فيها النسبة الاكبر من المقترضين اليوم) توجب على المصرف أخذ مؤونة بنسبة 110 في المئة. أما مع التعميم الجديد “فيعاد تصنيف المقترضين الذين لم يسددوا قروضهم منذ أكثر من 6 أشهر ووضعهم في الفئة الاولى”، يقول شماس. “وهو ما لا يعفي المصارف من أخذ مؤونات كبيرة على هذه القروض فحسب، انما أيضاً اتاحة الفرصة لتحرير المؤونات المأخوذة والموجودة في مصرف لبنان، وبالتالي امكانية خصمها من دين المصارف. بكلام آخر فان هذا يعني زيادة خسارة مصرف لبنان مقابل تخفيف خسائر المصارف. وهذا ما يرفع أيضا رأسمال المصارف لجهة الأصول”. إعادة الرسملة أهم
هذه الهدية الثانية إذا اضفناها انطلاقاً من حديث شماس إلى تقرير لجنة تقصي الحقائق النيابية التي خفضت الديون المتعثرة من 40 الف مليار ليرة إلى حدود 14 الف مليار، فان ديون المصارف المتعثرة لن تتجاوز الـ 2000 مليار ليرة بأسوأ الاحوال.
المشكلة ان هذا التعميم يظهر المصارف بمظهر المتعافي في حين أن النتائج الفعلية لن تظهر إلا مع اعادة الرسملة. خصوصاً إذا كانت الاموال طازجة ونقدية، وهو أمر مستبعد في القريب. ومن وجهة نظر شماس فان “عدم ربط هذا التعميم بفترة زمنية يعتبر نقطة ضعف أساسية”. ايجابية يتيمة
الناحية الايجابية الوحيدة التي ترافق هذا التعميم قد تكون بتجنب انهيارات بالجملة في القطاع المصرفي. فمن الواضح ان التشدد بتطبيق المعايير الدولية لجهة تكوين المؤونات ومتطلبات الرسملة، لن تقدر عليه البنوك “في ظل انعدام خياراتها”، يقول الخبير المالي دان قزي. “فالامتثال لمتطلبات بازل والمعايير الدولية غير ممكن في ظل هذه الظروف. والتشدد في تطبيق القواعد سيؤدي إلى كوارث، في حين اننا نشهد تراجعاً كبيراً في الديون المتعثرة”.
بمنطق معاكس لسيرورة الأزمات الاقتصادية تشهد المصارف انخفاضاً كبيراً في ديونها بالتوازي مع اشتداد الازمة. فخوف المودعين من “دولرة” ودائعهم دفعهم إلى إقبال غير مسبوق على شراء العقارات. وبما ان ديون القطاع العقاري تشكل حوالى 33 في المئة من مجمل الديون فان عمليات البيع ساهمت بدفع اقساط المتعثرين واستحقاقاتهم المؤجلة. وبحسب قزي فقد “جرى في غضون أشهر قليلة تسديد ما يقارب 15 مليار دولار من الديون للبنوك. حتى أن واحدة من أكبر الشركات العقارية صفّرت محفظة ديونها بعد تسديدها نحو 800 مليون دولار نتيجة عمليات البيع”.
لبننة الاجراءات المصرفية تشبه إلى حد ما “وضع مستحضرات التجميل على وجه الدميم”. فلا المستحضرات تعطي مفعولها ولا الدميم يصبح جميلاً، ولكنها في جميع الاحوال قد تخفي شيئاً من القبح لفترة معينة. أما بالنسبة للخارج فانها لن تقدم او تؤخر خصوصاً بعد تصنيف لبنان بـ SD أي متعثر.