تتوالى المعطيات السلبية يوماً بعد يوماً وتطال كافة القطاعات. لا أحد من الوزارات أو الجهات الرقابية يحرّك ساكناً. فالأمور تُترَك لمصيرها.
والمُقلِق أن ما نعيشه اليوم لا يُدار بواسطة توازن المصالح بين القوى السياسية، والذي كان يحقق نوعاً من الثبات السياسي والاقتصادي. وإنما سادت الفوضى، بسبب انقطاع خيوط التحالفات السياسية التقليدية، وازدياد معدل انكشاف الفضائح المالية التي طالت كل القوى. فبات كل طرف يحاول النجاة بنفسه.
ولا يختلف قطاع المحروقات عن غيره من القطاعات التي يعمل أقطابها على ضمان مصالحهم. فالقطاع هو قلعتهم الأخيرة في ظل نظام يتهاوى حجراً تلو آخر.
وضمان مصالح أهل القطاع، يعني حرمان المستهلكين من المحروقات، سواء البنزين أو المازوت
إقفال المحطات
أعداد كبيرة من محطات المحروقات رفعت خراطيمها استسلاماً للواقع. تسارعت موجة الإقفال منذ مساء يوم الثلاثاء 21 تموز، وبلغت ذروتها بعد ظهر يوم الأربعاء.
ومن بيروت إلى الجنوب، مروراً بالجبل والشمال والبقاع، تزايدت المعلومات عن المحطات المقفلة، باستثناء محطات “الأيتام”.
بعضها بسبب نفاذ البنزين والمازوت، وبعضها الآخر حفاظاً على ما تبقّى لديه من مخزون لا يكفي حاجته اليومية، علَّ الساعات أو الأيام المقبلة تحمل انفراجاً.
المحطات في مناطق الهرمل، بعلبك، عين بورضاي، بدنايل، ضهر البيدر وسحمر، أقفلت أبوابها. في بريتال وسرعين، تأخّرت حتى ظهر الأربعاء والتحقت بزميلاتها.
وفي مدينة صور انتشر بيان موقّع باسم تجمّع محطات منطقة صور، يؤكد أن “نسبة 95 بالمئة من المحطات أصبحت خالية كلياً من البنزين، أما المازوت فحدث ولا حرج”.
وأوضح البيان أن كل ما يُقال عن أن الوضع طبيعي والمحروقات مؤمّنة، ليس صحيحاً. وسأل البيان عن المسؤولين في المنطقة. وحذّر من “التصعيد الشامل والإضراب”.
وفي هذا الشأن، أوضحت مصادر من أصحاب المحطات، أنه “لا يوجد تجمّع رسمي لأصحاب المحطات في صور، غير أن مضمون البيان يُعبّر عن واقع الحال”.
وترجّح المصادر أن يكون عدد من أصحاب المحطات، قد تداعى لإصدار هذا البيان تعبيراً عمّا وصلت إليه الأمور. وبرغم مضمون البيان، “لم تلتزم كل المحطات بالاقفال.
فكل محطة تقرر ما يناسبها. لكن استمرار الوضع على ما هو عليه، سيجبر جميع المحطات على الاقفال، لأن ما تستلمه المحطات من الموزّعين لا يكفي حاجتها.
إذ يصل بين ربع أو نصف الكميات المطلوبة. ومع ازدياد الطلب على البنزين، ستفرغ الخزانات”
وتشير المصادر في حديث لـ”المدن”، إلى أن “بعض النافذين حزبياً، عمدوا إلى شراء كميات كبيرة من المازوت والبنزين وخزّنوها بشكل استباقي”.
وكان وزير الطاقة ريمون غجر قد ألمح لذلك، بعد تأكيده وجود عمليات بيع تتم بين الأشخاص، وليس من شركة إلى محطّة.
تضاربت المعلومات حول عدم تسليم شركات التوزيع لمادة البنزين. وحقيقة التضارب تعود للقرارات الاعتباطية التي تمارسها الشركات، فتارة تقرر التوزيع وتارة عدمه.
والتوزيع محكوم بالتقنين والنفوذ السياسي والنقابي، حيث تفضّل الشركات تسليم المحطات التي يتمتع أصحابها بـ”وزن داخل نقابة أصحاب محطات الوقود، أو يحظون بدعم من قوى سياسية بحسب كل منطقة”، وفق ما تقوله مصادر.
وفي خضمّ التخبّط الذي تعيشه المحطات “لم ترتفع أسعار البنزين، على عكس المازوت الذي تحوّلَ تسليمه وبيعه إلى سوق سوداء وبأسعار مرتفعة.
والسوق السوداء تمتد من خزّانات النفط التابعة للدولة، وصولاً إلى بعض محطات المحروقات”
وضوح المسؤوليات
بمبادرة هزلية، أعلن وزير الطاقة ريمون غجر، في وقت سابق، أن الوزارة توصّلت مع الأمن العام والجمارك إلى آلية لتوزيع المازوت بطريقة سليمة.
وقد تَرجَمَت المديرية العامة للأمن العام تلك المبادرة، بالإعلان عن قيامها “بالاشراف على استلام شركات توزيع المحروقات لمادة المازوت من منشآت النفط في طرابلس والزهراني، ومواكبة توزيع الكمية المستلمة في كافة المناطق اللبنانية.
بلغت الكمية المستلمة من شركات التوزيع أربعة ملايين ومئتين واثنين وأربعين ألفاً وثمانية وأربعين ليتراً من مادة المازوت، تم توزيعها على محطات وقود ومؤسسات وأصحاب مولدات توزيع الكهرباء”.
يبدو الأمر وكأنّ الأزمة حُلَّت، وأن كل ما يدور في الشارع ارتباطاً بعدم توفر البنزين وارتفاع أسعار المازوت، هو قصة من نسج خيال المواطنين، أو ربما هي لعبة يتواطأ فيها المواطنون مع أصحاب المحطات.
وعليه، يتجاهل الأمن العام المسار التراكمي للفساد، وخصوصاً المرتبط بملف المحروقات.
وكذلك يفعل كلّ من الجمارك ووزارتيّ الطاقة والاقتصاد. وكل ما يصدر في سياق التخفيف من الأزمة، لا يتعدّى الاجراءات اللحظية الفلكلورية، فالكل يعلم من أين تبدأ الأزمة وأين تنتهي.
إزاء ما تقدَّم، تستبعد المصادر حلاً قريباً للأزمة، بل ما هو واضح في الأفق، يشير إلى تعقيدات آتية. لذلك، تدعو المصادر كل من يستطيع تأمين البنزين أو المازوت، إلى “تخزينه فوراً وترشيد إنفاقه، لأن الخوف الحقيقي لم يظهر بعد”.