وأثار هذا التصريح الذي جاء على هامش حفل توقيع عقد مع الصين لتطوير حقل “آزادكان” الجنوبي للغاز الطبيعي، المشترك مع العراق، تساؤلات عن خيارات إيران البديلة في ظل هذا التضييق والحصار الاقتصادي.
خيارات محدودة
وأرجع الزويري في حديث لـ”عربي21″، سوء ضرر العقوبات الأكبر خلال العامين الأخيرين إلى أنها “استهدفت قطاعات مهمة وبشكل مثقف، وهي أيضا بنيت على أساس 38 سنة من العقوبات التي أنهكت الاقتصاد الإيراني”.
وأشار إلى أنه “مقابل هذه العقوبات ومنع تصدير النفط والتضييق على الدول التي تتعامل مع طهران، فمثلاً الصين أُجبرت على سحب أعمالها في حقل الغاز بارس الذي كانت تعمل فيه، لم تنفذ الدولة ولا النظام السياسي إجراءات وإصلاحات تخفف آثار هذه العقوبات، وبالتالي الضغوط كبيرة، لذلك الخيارات محدودة”.
وأضاف الزويري: “بالتالي، سيكون هناك نوع من الضغوط على هيكل الاقتصاد الداخلي، وستحاول الحكومة تقديم دعم أكثر للتخفيف عن الناس، ولكن في اعتقادي هذا سينهك البنية الاقتصادية برمتها، وسيجعل النظام بوضع اقتصادي سيء جدا، ما سينعكس على أدائه بشكل عام، وعلى استقراره السياسي على المدى البعيد”.
ولفت إلى أن هناك عدة خيارات وبدائل لإيران، فهي وفق حديثه “لا تزال على علاقة جيدة مع تركيا والعراق، وتقوم بتصدير نفطها بطرق متعددة، سواء للصين أو لدول أخرى، بالتالي طهران تبحث عن خيارات متعددة من أجل الاستمرار بتصدير النفط”.
وتابع قصير في حديث لـ”عربي21″: “كما أنه يمكن أن توقع دول أخرى مثل الهند اتفاقيات مع إيران كما فعلت الصين، مع الأخذ في عين الاعتبار أن موازنتها لهذا العام تم وضعها دون النفط، وطهران تعمل على أساس كل الاحتمالات”.
وحول البديل الاقتصادي للنفط، أوضح قصير أن “الإيرانيين يعملون الآن على أساس أن تكون الموازنة دون نفط، ثانيا الاستمرار بالصمود حتى نهاية عهد ترامب، وفي حال لم يتم إعادة انتخابه يمكن العودة للاتفاق النووي والتطبيق الشامل له، بالتالي هم الآن يعملون على أساس الصمود في هذه المرحلة”.
وأشار إلى أن لدى إيران صادرات متنوعة من السجاد إلى الفستق والمواد الصناعية والأدوية وغيرها، بالتالي لم يعد الاقتصاد الإيراني يعتمد فقط على النفط، إضافة لتوقيع عقود تجارية مع الدول باعتماد نظام المقايضة لتجنب التعامل بالدولار، خصوصا مع الدول التي تعمل ضمن معاهدة شينجن، والتي أصبحت إيران فيها بصفة عضو مراقب”.
يرد قصير على هذا التساؤل بالقول: “إيران لا تعتمد على بوابة واحدة، بل على عدة بوابات، منها قطر، خاصة بعد الحصار الذي فرض على الأخيرة، وأيضا هي لها علاقات اقتصادية مع الإمارات، رغم الخلافات بينهما”.
بدوره، أوضح مدير مركز دراسات الخليج في قطر، محجوب الزويري، أنه على الرغم من أن أمريكا منحت نوعا من الإذن للعراق بالاستمرار في التعامل التجاري مع إيران، لكن السؤال الأهم: كم يمكن أن يعوض هذا التبادل التجاري بين البلدين الفاتورة الاقتصادية الضخمة لطهران؟”.
وأضاف: “أيضا العراق بلد مستنزف اقتصاديا، فسعر النفط منخفض، وهناك حالة كبيرة من الفساد، بالتالي حجم المساعدة العراقية سيكون محدودا بشكل كبير؛ لأنه بالمحصلة البلدان يعانيان من نفس الظروف الاقتصادية الصعبة، خاصة في ظل غياب الاستقرار السياسي في العراق، وغياب سيطرة الدولة بشكل كامل”.
وخلص بالقول: “بالتالي لا يمكن للعراق تقديم الكثير لإيران، خاصة إذا قررت أمريكا وقف الإعفاء الممنوح له بالتعامل الاقتصادي مع إيران، خاصة أن هناك حديثا جديا يجري في واشنطن بأن أمريكا لن تجدد هذا الإعفاء، وإذا حدث ذلك فعلا ستكون ضربة كبيرة للاقتصاد الإيراني”.
تصدر إيران عددا من السلع لدول العالم، ومن أهم صادراتها السجاد العجمي والزعفران، حيث تعتبر الدولة الأولى عالميا في إنتاجه، إذ تنتج نحو 90% من الزعفران العالمي، بمعدل 336 طنا في السنة، ويزرع على مساحة 105270 هكتارا حسب وكالة أنباء إرنا الإيرانية.
إلا أن هذا القطاع يواجه المشاكل ذاتها التي يواجهها قطاع النفط، وهي المعيقات التي تتعلق بالنظام البنكي في البلاد، بسبب العقوبات الاقتصادية، وعدم استقرار سعر الصرف المحلي، وصعوبة التحويلات المالية، ما أدخل مستقبل هذا القطاع الثري في حالة من الغموض.
ومع وجود هذه المشاكل التي تعيق التصدير من إيران لدول العالم، تثار تساؤلات حول إمكانية تعويض تنوع الصادرات نقص مداخيل بيع النفط.
يرد أستاذ الاقتصاد والعلاقات الدولية في جامعة السوربون كميل الساري، على هذا السؤال بالقول: “الخيار الوحيد هو بيع النفط في الأسواق الموازية، أو ما نسميها بالسوق السوداء، لدول مثل الصين وكوريا الشمالية وغيرها، وحتى بعض الدول المجاورة بأسعار منخفضة جدا”.
وأوضح أن “لجوء إيران لهذه الخيار سببه أنه لا يمكن لهذه الصفقات المرور عبر المصارف العالمية، وذلك لخوف هذه المؤسسات المالية من أن تقع فريسة للعقوبات الأمريكية، مثلما حصل مع المصرف الفرنسي “BNP Paribas”، حيث فرض عليه القضاء الأمريكي غرامة 8 مليار دولار؛ لأنه سهل عمليات مالية لإيران”.
وحول إمكانية أن تحل الصادرات الأخرى مكان النفط، قال الساري لـ”عربي21″: “المشكلة لا تكمن فقط في التصدير، بل في جودة المواد التي يتم تصديرها، فهي أدنى جودة من مثيلاتها في الدول الصناعية الكبرى، بالتالي لا يمكن أن تعوض هذه الصادرات النفط”.
أما عن إمكانية بيع النفط عبر الدول المجاورة والحليفة، قال الساري: “لا يمكن ذلك، فمثلا روسيا التي لها علاقات جيدة مع إيران تعتبر دولة منتجة للنفط والغاز، بالتالي لا تحتاج لاستيرادهما من طهران، بل قد تكون منافسة لها في الأسواق العالمية”.
وأشار إلى أنه لا يمكن أن يساعد فتح بوابات تجارية مع العراق وتركيا إيران، لأن العراق بلد مصدر للنفط، وله حصة محددة، وملزم بالالتزام بها بحسب مواثيق أوبك، ولا يمكنه تصدير كميات زيادة عنها، بالتالي لا يمكنه شراء النفط الإيراني وإعادة تصديره”.
وأضاف: “تركيا ممكن أن تشتري النفط الإيراني، ولكن على الرغم من أن الرئيس التركي أردوغان تحدث عن إعفاء أمريكي لبلاده من العقوبات في حال استورد النفط الإيراني، إلا أن أنقرة مهددة بعقوبات أمريكية، وهي أصلا لا تحتمل مثل هذه العقوبات، خاصة أن عملتها هشة، وأشار ترامب إلى ذلك في قوله بأنه يمكنه إغراق العملة التركية في لحظات”.