تتنقّل مؤشرات الأزمة بين المازوت والبنزين. تتراجع حدّة أزمة لتطلّ أخرى برأسها، فيتناوب المازوت والبنزين على إقلاق راحة الناس وإجبارهم على الانتظار في طوابير أمام محطات المحروقات.
وفي ظل الأزمات، تزدهر الأسواق السوداء تحت ظلّ النفوذ السياسي، وهذا ما جعل الجنوب اللبناني، قبلة أزمة المحروقات، بفعل توافق الثنائي الشيعي على تغطية تجار الأزمات من جهة، وانفراد حزب الله بزرع الخوف لدى بعض موزّعي المحروقات، ما حذا بهم إلى تفادي توزيع المحروقات في الجنوب.
غياب الاعتمادات
يعود السبب الأكبر لتراجع معدّلات تأمين المحروقات، إلى عدم تأمين الاعتمادات الدولارية اللازمة للاستيراد. وهذه مهمّة مصرف لبنان.
لذلك، طالبت نقابة أصحاب محطات المحروقات، المسؤولين، بـ”إيجاد حل نهائي ودائم لمشكلة الاعتمادات المصرفية لبواخر استيراد المحروقات، لكي لا يتكرر انقطاعها في الأسواق، في حين تتواجد البواخر مقابل الشواطىء اللبنانية ولا تستطيع تفريغ حمولتها”.
وتؤكد مصادر في شركات موزّعي المحروقات، أن “مصرف لبنان لا يؤمّن الاعتمادات الدولارية الكافية لاستيراد المحروقات، وهذا ما يؤخّر وصولها إلى لبنان وتوزيعها على المحطات، ممّا يخلق بلبلة في السوق وطوابير السيارات أمام المحطات”.
وتشير المصادر في حديث لـ”المدن”، إلى أن “لا بوادر لحل الأزمة في وقت قريب، فمصرف لبنان لا يملك القدرة الكافية على تأمين الدولارات المطلوبة.
أما الحديث عن سجالات سياسية واحتكارات وسوق سوداء للمازوت والبنزين، فهو عوامل إضافية لا تشكّل أساس الأزمة
فكل ما يحصل هو نتيجة لغياب الاعتمادات التي تؤدي إلى نقص في التغذية.
فحتى لو لم يكن هناك سوق سوداء، فالنقص سيبقى موجوداً، وإن بوتيرة أقل.
فالحل النهائي هو توفير الدولار للاستيراد”.
وتتوقّع المصادر زيادة حدّة الأزمة في الأيام المقبلة، لكنها تطمئن إلى أن لا انقطاع نهائي للبنزين.
الجنوب مجدداً
أسماء مدعومة من الثنائي الشيعي في الجنوب، كانت نجمة الفضائح في احتكار مادة المازوت وتشكيل سوق سوداء لتحقيق أرباح طائلة.
هذه الأسماء تساهم أيضاً في توسيع حدّة الأزمة عبر تخزين كميات من البنزين وحجبها عن المواطنين، مما رفع حدّة الطلب على البنزين، وبالتالي شجّع بعض أصحاب المحطات على دخول اللعبة بالتوازي مع المحتكرين، واللجوء إلى رفع الأسعار خلافاً للتعرفة الرسمية الصادرة عن وزارة الطاقة.
يستغرب الجنوبيون عدم توفّر البنزين في المنطقة الواقعة جنوب مدينة صيدا، فيما لا تشهد باقي المناطق هذا الضغط الهائل الذي يعيشه الجنوب. الإجابة ماثلة أمام الجميع. مَن أشعَل أزمة المازوت، أشعّل اليوم أزمة البنزين وحوَّل الجنوب إلى منطقة معزولة.
فمحطات المحروقات في الجنوب تتلقى ما لا يزيد عن نصف حاجتها التي كانت تتلقاها في الأيام العادية. وبفعل الإقبال الكثيف، ترفع المحطات خراطيمها معلنة انتهاء المخزون، بين الساعة العاشرة والحادية عشر صباحاً.
فما يأتيها من كميات، لا يصمد لأكثر من أربع ساعات
وبحجة الشحّ، لجأ بعض أصحاب المحطات إلى رفع سعر صفيحة البنزين إلى نحو 30 ألف ليرة، وذلك عبر إعلام الزبون بزيادة السعر قبل ملئ خزان سيارته. وبسبب النقص الحاد، لا يجادل معظم الزبائن بشأن رفع السعر. فالمهم هو تأمين البنزين.
السوق السوداء والاحتكار، يشكّلان وجهاً من العملة، فيما الوجه الآخر هو نظرة موزّعي المحروقات إلى سيطرة حزب الله على الجنوب والخوف من تضييق المصارف الخناق على الشركات.
فالتعامل مع المؤسسات التابعة للحزب، يصبغ الشركات بشبهة تمويل الحزب، وإن لم يكن الأمر صحيحاً. “فبعض شركات توزيع المحروقات تحرص على أن لا تُرسَم حولها علامات استفهام حول تأمين المحروقات، وتبادل الأموال مع محطات تابعة بشكل غير مباشر للحزب.
ولذلك يحاول بعض الموزّعين تجنّب توزيع البنزين على بعض المحطات، وهذا ما يساهم بتقليص كميات البنزين التي تصل إلى الجنوب”، وفق ما تقوله المصادر.
بعض المحطات أقفلت نهائياً بسبب عدم قدرة أصحابها على شراء المحروقات. طوابير السيارات تتزايد
أصوات المعترضين تعلو، لكن من دون أثر حقيقي على الأرض، لأن غالبية المعترضين هم من أنصار الثنائي الشيعي، ومُلتزمون بالقرارات الحزبية والدينية التي تصدر من الثنائي، بهدف لجم أي حالة اعتراض مشكوك بأمر تحوّلها إلى تمرّد.
فالاعتراض الفردي مسموح، ما لم يحمل بوادر التكتّل والخروج إلى الشارع. وبالتالي، على الجنوبيين التوفيق بين الانتظار في الطوابير وشعار الصبر والبصيرة.