إختلاف نوعية الشحنات
ما اختلف في المرفأ بعد الانفجار هو التغير الكبير بنوعية الشحنات. فبعدما كانت أكثرية الشحنات الواصلة في زمن كورونا محملة بأدوات التنظيف والكمامات والحبوب.. أصبحت اليوم عبارة عن مواد بناء وزجاج وألومنيوم وحديد وغيرها الكثير من مستلزمات إعادة الاعمار. وما يلاحظه أصحاب شركات الشحن هو تراجع استيراد الكثير من السلع والمواد غير الغذائية لمصلحة مواد البناء.
تجزم الشركات العاملة في ميناء بيروت البحري بانهم لم يروا مثل هذا النشاط في المرفأ سابقاً. فكل المعنيين كانوا يعملون ليلاً ونهاراً من أجل تأمين كل التسهيلات لشركات الشحن. حيث جرى تعبئة بيانات الشحن والتخليص والمعاملات يدوياً بسبب تعطل النظام الالكتروني. و”لسان حال الجميع في الجمارك و”البور” والمحطات كان: حتى لو ارجعتنا الفاجعة 10 خطوات إلى الوراء، إلا اننا لن نسمح بان تكون الاجراءات الورقية هي العائق أمام العودة إلى العمل”، بحسب بوراشي.
ما ساعد على استعادة المرفأ عافيته بسرعة هو عدم تضرر ساحات تفريغ أو تجميع الحاويات سواء كانت الواصلة منها أو المغادرة. فهناك نوعان من ساحات التفريغ: الاول، يعرف بـ full yard حيث تجمّع الحاويات “Containers”. وهذه الساحة لم تتضرر أبداً من الإنفجار. حتى ان البضائع التي كانت موجودة قبل الرابع من آب في الحاويات ما زالت سليمة. أما النوع الثاني فهو عبارة عن العنابر التي تخزّن فيها حمولات السفن. هذه المخازن تضررت بشكل كبير ولم تعد صالحة للاستخدام كما ان البضائع التي كانت موجودة فيها قبل الانفجار قد اتلفت بشكل كامل. الايجابي في الموضوع ان الخسارة لم تكن كاملة بل هي رغم حجم الانفجار بقيت جزئية.
الاضرار التي لحقت بشركات الشحن والمستوعبات والحاويات والبضائع لم يتم احصاؤها بعد لغاية اللحظة. ولم يصدر أي تقرير بحجم الحاويات المتضررة بشكل كلي أو جزئي، حتى على صعيد الشركات الخاصة. وبغض النظر عن حجم الخسائر الكبير فانه من المتوقع ان يعاود المرفأ عمله سريعاً بقدرة انتاجية تفوق نسبتها 50 في المئة. وهو ما سيسهل وصول واستلام المساعدات بشكل اساسي.
العائق الأكبر اليوم بنظر اصحاب شركات الشحن ما زال يتمثل في الازمة الاقتصادية المستفحلة. فاذا كان باستطاعة “البور” العودة إلى العمل والانتاج بوقت قياسي فهل ستستطيع الشركات الخاصة؟ هذا ما تشك به بوارشي “خصوصاً في ظل الصعوبات التي تواجه الشركات اللبنانية في فتح الاعتمادت في الخارج والنقص الهائل في الدولار”. فشركات الشحن مثلاً ونتيجة حاجتها لدفع الدولار الى الوكلاء وشركات النقل، لم تعد تقبل بالليرة أو حتى بالشيكات المصرفية، وهو ما اصبح يشكل عائقاً بالنسبة للتجار والمستوردين يضاف إلى صعوبة تأمين الدولار وفتح الاعتمادات لدفع ثمن المستوردات.
قد يرجع مرفأ بيروت إلى سابق عهده و”يمكن أحسن”، انما هل يعود لبنان كما كان؟ سؤال تنفيه أجوبة رجال الاعمال وارباب القطاع الخاص الذين لم يلمسوا منذ انفجار الأزمة أي تغيير جدي أو إصلاح جوهري في بنية النظام الاقتصادي القائم على التقاسم والمحاصصة. بعضهم بلغ به حد التشاؤم حد القول ان “إعمار المرفأ لن يرجع قيمة الاستثمار به ولو بعد عشرات السنوات نتيجة استمرار الأزمة الاقتصادية”.