ما خلفيات قرارات مصرف لبنان الأخيرة.. ومن سيطبّقها؟

28 أغسطس 2020
ما خلفيات قرارات مصرف لبنان الأخيرة.. ومن سيطبّقها؟

كتبت ايفا ابي حيدر في “الجمهورية”: لا يزال من المبكر الحكم على خلفيات ونتائج قرار مصرف لبنان الأخير، الذي يهدف الى تأمين السيولة، من خلال محاولة استرجاع جزء من الاموال التي خرجت من لبنان منذ العام 2017. لكن من الواضح انّ تطبيق القرار دونه عقبات كثيرة.

 

أصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تعميماً يهدف الى اعادة تفعيل عمل المصارف العاملة في لبنان، طلب بموجبه من المصارف “حث عملائها الذين قام اي منهم بتحويل ما يفوق مجموعه 500 الف دولار الى الخارج خلال الفترة المبتدئة من تموز 2017 ، ان يودعوا في حساب خاص مجمّد لمدة، مبلغاً يوازي 15% من القيمة المحولة. ويُطبّق هذا البند على رؤساء واعضاء مجالس ادارة وكبار مساهمي المصارف وعلى الادارات العليا التنفيذية للمصارف وعملاء المصارف من الاشخاص المعرّضين سياسياً، انما بنسبة 30% بدلاً من 15%. فماذا يعني هذا القرار وما الهدف منه؟ وما مدى قابليته للتطبيق؟

 

في السياق، اعتبر الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود، انّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة استعمل كلمة “حث” المصارف من اجل ان يكون عندها قوة قانونية صحيحة. فالمصرف المركزي ليس بسلطة تشريعية. صحيح انّ التعاميم تُعتبر كأنّها قوانين والتزامات قائمة، لكنها تبقى ضمن القانون العام للنقد والتسليف. إذ لا يمكن من ضمن هذا القانون اجبار احد العملاء الذين حوّلوا اموالهم الى الخارج، ان يعيدوا اموالهم تحت طائلة السجن، او احتجاز الاموال. وبالتالي لا يمكن لأي تعميم ان يصدر خارج اطار القانون. لذلك صدر هذا التعميم بلغة الحث انطلاقاً من علاقة كل مصرف مع زبائنه، بشكل يضمن فيها المصرف للعميل قدرته على استعمال هذه الاموال لاحقاً.

 

ورأى حمود انّ هذا التعميم هو محاولة من محاولات عدة ستتكرّر في الفترة المقبلة وبأوجه مختلفة، من أجل تنظيم العمليات المصرفية واعادة هيكلة القطاع. واللافت انّ هذا التعميم ميّز بين الزبون العادي، الذي حوّل امواله الى الخارج بحسن نية، والزبون الذي قد تحوم حوله بعض الشبهات، مثل رؤساء مجلس ادارة، رؤساء واعضاء مجالس ادارة وادارات عامة، وكبار مساهمي المصارف والادارات العليا التنفيذية للمصارف، وعملاء المصارف من الاشخاص المعرّضين سياسياً، الذين عادة ما يملكون معلومات داخلية inside information.

 

وابدى حمود ارتياحه لصدور هذا التعميم كخطوة اولى وباللغة التي استُعملت، لأنّه غير ذلك تكون التعابير المستعملة غير قانونية، وفي الوقت نفسه هذا التعميم لا يعني انّه سيتمّ تحصيل نسبة الـ 15%.

 

 وربط حمود هذا التعميم بأمرين، اولاً: تأمين موجبات المصارف المفروضة عليها بتحويل 3% من ودائعها كسيولة قائمة في الخارج، وتساوي هذه النسبة ما قيمته 3.5 مليارات دولار، وحالياً لا يوجد مع مراسلي القطاع المصرفي اللبناني هذا المبلغ، ما يعني انّ المصارف مُجبرة على تأمين السيولة.

 

 ورأى حمود، انّ من شأن هذا التعميم، ان يحث المصرف للضغط والطلب من زبائنه، الذين سبق وقدّم لهم خدمة بتحويل اموالهم الى الخارج، ان يودعوا جزءاً من اموالهم في حسابات المصرف في الخارج، وبهذا الشكل يلبّي المصرف مطلب تأمين 3% من سيولته في الخارج، تحت طائلة إحالة المصرف الى الهيئة المصرفية العليا.

 

 ثانياً: ربط التعميم بزيادة رأسمال المصارف بنسبة 20% مع توفير خيار ان تكون إعادة تخمين موجودات المصرف جزءاً من زيادة الرأسمال، بما يعني انّه اذا أمّن المصرف ما نسبته 15% من زيادة رأس المال، فهذا يعني انّ سيولته موجودة، وبالتالي يمكن للعميل في حال حصل امر ما ان يأخذ من المصرف سندات دين.

 

لكن في المقابل، يجب ان لا ننسى انّه في هذه الظروف بالنسبة الى الزبون الذي هرّب امواله الى الخارج، لا يمكن ان يعيد فلساً واحداً، ولا شيء يجبره على ذلك، خصوصاً انّ العمل المصرفي بعيد كل البعد من القمع، وإلّا تفقد المصارف قدرتها على جذب اي زبون جديد اليها.

 

وعمّا اذا كان من الاسهل اليوم اعادة اموال كبار مساهمي المصارف ورؤساء مجلس ادارة ومدراء عامين وpeps (المنكشفون على القطاع العام)، من استرجاعها من المودعين العاديين، قال: “انّ عملية استرجاع الاموال ليست عملية سهلة، لكن الاسهل استرجاعها من peps ورؤساء مجلس الادارة، لأنّ تهريب الاموال يمكن ان يأتي من ضمن تبييض اموال او كجزء من المعلومات الداخلية”.

 

وأوضح، انّ التعاطي مع الزبائن العاديين أتى في اطار حسن النوايا و”الحث” وليس الفرض. إذ في حال استُحقت وديعة للزبون في بلد معين وهناك خطر على وجودها في بنك معين، يحق للمودع ان ينقذ امواله.

 

بينما في المقابل، وبموجب قانون تبييض الاموال، يحق للمصرف المركزي ان يشهر سيفه في وجه كبار مساهمي المصارف ورؤساء مجلس الادارة والمدراء العامين والـpeps (المنكشفون على القطاع العام). وهو قد ابلغ المصارف، انّها في حال لم تُطبّق زيادة الرأسمال 20% وودائعها في الخارج 3% فستحيل المصرف المتخلّف الى الهيئة المصرفية العليا.

 

واللافت، انّ المركزي طلب في التعميم من مجالس ادارة المصارف ان يتعهدوا بتنفيذ هذا التعميم، على ان يعمل مدققو الحسابات في المصرف auditors على اثبات انّ جهداً يُبذل في هذا السياق مع المدراء العامين واعضاء مجلس ادارة المصارف والشخصيات المكشوفة سياسياً، لتنفيذ هذا التعميم.

 

واشار حمود، الى انّه حتى لو تمّ تنفيذ هذا التعميم، فالمودع لن يحصل على دولاراته، انما من شأنه ان يزيد من سيولة البنك ومن رأسماله.