بعد استنزاف الاحتياطي: الدولار إلى 21 ألف ليرة؟

1 سبتمبر 2020
بعد استنزاف الاحتياطي: الدولار إلى 21 ألف ليرة؟
علي نور

لم تتضح حتّى اللحظة الآليّات البديلة التي ستلجأ إليها الحكومة لدعم السلع الحيويّة، في حين يستنزف مصرف لبنان كامل احتياطاته القابلة للاستخدام من العملات الأجنبيّة.

لكنّ من المؤكّد أنّ هذه الآليات لن تتمكّن بعد تلك اللحظة من الاعتماد على احتياطي مصرف لبنان لتوفير الدولار بشكل مباشر لاستيراد هذه السلع، ما سيعني أنّ الطلب على الدولار لاستيرادها سيذهب تلقائيّاً إلى سوق الصرف الموازية، أو ما يُعرف بالسوق السوداء، وهو ما سيشكّل مقدّمة لإطلاق العنان للتضخّم الجنوني كنتيجة للمزيد من الانهيار في سعر الصرف.

بإختصار، بإمكان هذا التطوّر أن يرفع الطلب على الدولار في السوق السوداء إلى ثلاث أضعاف قيمته الحاليّة، وهو ما سيعني بحسب مصادر مصرفية جدّية إمكانيّة تجاوز سعر صرف الدولار في السوق السوداء مستوى الـ21 ألف ليرة مقابل الدولار في أوّل موجة من الإرتفاع في سعر الصرف، بعد رفع الدعم مباشرة.

ولكلّ هذه الأسباب، من المتوقّع أن تشهد السوق اللبنانيّة موجة من التضخّم المفرط وغير المسبوق نتيجة تقاطع عاملين في الوقت نفسه: أولاً ارتفاع سعر السلع المدعومة بعد توقّف المصرف المركزي عن دعم الاستيراد من الاحتياطي، وثانياً ارتفاع سعر الصرف بعد الضغط المستجدّ على الطلب على الدولار، وما سينتج عن هذا الأمر من ارتفاع جنوني في أسعار جميع السلع المستوردة.

مع العلم أنّ آليات الدعم البديلة التي قد تلجأ إليها الحكومة، وإن قامت بترشيد الدعم عبر توجيهه لفئات معيّنة، لن تستطيع التدخّل للسيطرة على أسعار السلع المستوردة بشكل عام في الأسواق، لعدم امتلاك الحكومة أيّ احتياطات من الدولار يمكن استعمالها لدعم الاستيراد.

لمعرفة أثر هذه التطوّرات، يكفي العودة إلى أرقام الجمارك اللبنانيّة، التي تفيد بأن لبنان استورد في الأشهر الستة الأولى من هذه السنة ما تقارب قيمته الـ 1.5 مليار دولار أميركي من المحروقات على أنواعها، وحوالي الـ550 مليون دولار أميركي من الأدوية والمعدات والمستلزمات الطبيّة، وأكثر من 77 مليون دولار أميركي من القمح.

في الخلاصة، يمكن القول بأن مصرف لبنان دفع من احتياطاته بشكل مباشر 2.13 مليار دولار لاستيراد السلع الحيويّة الثلاث خلال النصف الأوّل من السنة، فيما من المتوقّع أن ينتقل هذا الحجم الضخم من الطلب على الدولار إلى السوق الموازي بعد توقّف مصرف عن توفير هذه الدولارات بشكل مباشر من احتياطاته.

بالإضافة إلى ذلك، استورد لبنان خلال النصف الأوّل من السنة أيضاً ما يقارب الـ 1.12 مليار دولار من المواد الغذائيّة الأخرى (باستثناء القمح)، وهي مواد كانت تُموّل خلال الأشهر الماضية من خلال السلّة الغذائيّة المدعومة من مصرف لبنان، وفقاً لسعر صرف المنصّة الإلكترونيّة.

مع العلم أنّ مصرف لبنان كان يستخدم لهذه الغاية الدولارات التي كان يحصل عليها من التحويلات الواردة عبر شركات تحويل الأموال، مقابل سداد قيمة هذه التحويلات بالليرة إلى مستحقيها.

وبعد إلغاء قرار تسديد قيمة التحويلات بالليرة، ومع قرب وصول الاحتياطي إلى حدّه الأدنى وعدم قدرة مصرف لبنان على استخدامه لدعم استيراد هذه المواد، من المتوقّع أن ينتقل الطلب على الدولار لاستيراد هذه المواد إلى السوق الموازية أيضاً، بعد توقّف مصرف لبنان عن دعم هذا النوع من الاستيراد.

إذا أضفنا قيمة هذه السلع التي كانت مشمولة بالسلة الغذائيّة، إلى قيمة السلع الحيويّة الثلاث (قمح ومحروقات وأدوية) التي كان يدعمها مصرف لبنان من احتياطاته، يصبح إجمالي مجموع السلع المدعومة التي استوردها لبنان في أول نصف من السنة، والتي سيتوقّف مصرف لبنان كليّاً عن دعمها في الأشهر المقبلة، حوالي الـ 3.25 مليار دولار أميركي، وهو ما سيمثّل ضغطاً مفاجئاً وغير مسبوق على سعر الصرف في السوق الموازية.

بالإضافة إلى كلّ هذه العوامل، من المتوقّع أن تمثّل بعض تداعيات تفجير المرفأ عاملاً إضافياً ضاغطاً على سعر الصرف، وتالياً على معدلات التضخّم في الأسواق.

فعمليّاً، من المرتقب أن تشكّل عمليات الترميم وإصلاح الأضرار ضغطاً باتجاه شراء الدولار من السوق الموازي، خصوصاً أنّ هذه العمليات تنطوي على حجم كبير من الاستيراد لمواد البناء.

علماً أنّ شركات التأمين تتجه إلى التعويض على المتضرّرين بالليرة في حال ثبت أنّ خلفيات التفجير لا ترتبط بعمل تخريبي أو إرهابي مقصود، وقد أبلغت ذلك إلى الشركات التي تتعاقد معها كي تقوم بالفوترة بالليرة اللبنانيّة حصراً.

عمليّاً، تفيد مصادر حكوميّة مطّلعة على النقاشات المتعلّقة بموضوع سعر الصرف وآليات الدعم البديل، أنّ خيارات الحكومة باتت محدودة جدّاً.

فاستمرار الدعم وفقاً لآليات توفير الدولار للاستيراد كما كان يجري سابقاً بات متعذّراً كون مصرف لبنان أبلغ الحكومة موقفاً حاسماً بخصوص عدم قدرته على المساس بما تبقّى من احتياطات تمثّل احتياطي المصارف الإلزامي.

أما البحث عن مصادر بديلة للدولارات لدعم الاستيراد، فمتعذّر بعد أن تلقّت الحكومة موقفاً حاسماً من صندوق النقد والبنك الدولي بخصوص توفير أيّ دعم خلال المرحلة المقبلة قبل إنجاز الاتفاق على برنامج قرض متكامل.

مع العلم أنّ جميع الجهات المانحة كانت واضحة لجهة عدم استعدادها لمنح أيّ قروض أو هبات مباشرة للدولة اللبنانيّة قبل إنجاز التفاهم مع صندوق النقد. وقد ظهر ذلك بشكل واضح في مؤتمر المانحين الأخير الذي اقتصرت مساعداته على الدعم الإنساني الموجّه للمنظمات غير الحكوميّة.

وعلى هذا، لن تملك الحكومة الكثير من الخيارات، باستثناء توفير قسائم دعم مباشرة للأسر الأكثر حاجة، وتمويل العمليّة من خلال طباعة العملة المحليّة، كما تفعل الحكومة اليوم لتمويل جميع عمليّاتها، وهو ما سيمثّل المزيد من الضغط على سعر الصرف وأسعار السوق، والمزيد في الارتفاع في نسبة المواطنين الذين ينحدرون إلى ما دون خطّ الفقر.

المصدر أساس