علمت “الأخبار” أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يرفض التوقيع على قرارات فتح اعتمادات (بالدولار) لشركات استيراد البنزين، قبل حصوله على لائحة تفصيلية من وزارة الطاقة بهذه الشركات. وبحسب مصادر مصرفية، فإن سلامة طلب من وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال، ريمون غجر، تزويده بمعلومات عن كميات المحروقات التي تنوي مؤسسة كهرباء لبنان استيرادها في الأشهر المقبلة، لزوم توليد الطاقة الكهربائية. كما طلب لائحة بالشركات المستوردة للمحروقات (بنزين ومازوت وغاز)، والكميات التي تطلب استيرادها. ويبرر سلامة طلباته بأنها تهدف إلى درس حاجات السوق، وكيفية المواءمة بينها وبين “ما بقي من دولارات في مصرف لبنان”. ويؤدي رفض سلامة منح موافقة مسبقة على فتح الاعتمادات إلى عجز الشركات عن الاستيراد، ما يعني أن أزمة بنزين تلوح في الأفق. وتقول الشركات إنها لا تخزّن البنزين السريع التبخّر، وهي تستورد عادة ما يكفي السوق لأيام فقط. أما المازوت، فمتوفر، بسبب تخزين كميات كبيرة في الأشهر الماضية.
وتلفت مصادر مصرفية إلى أن أزمة الدولارات لن تقتصر على المحروقات، إذ إن استيراد الأدوية لن يتم بصورة مريحة مستقبلاً، لافتة من جهة أخرى إلى وجود مخزون كبير من الأدوية في لبنان، إذ تبيّن أن الشركات استوردت في السابق كميات أكبر من حاجة السوق. وأشارت المصادر إلى أن سلامة أكثر تساهلاً مع شركات الأدوية منه مع شركات استيراد المحروقات.
وفي ظل شح المعلومات عن الكمية الحقيقية من الدولارات التي لا يزال مصرف لبنان قادراً على استخدامها لتمويل الاستيراد، لم تستبعد مصادر معنية أن يكون حاكم “المركزي” في طور استعمال أزمة الدولارات للضغط سياسياً، تنفيذاً لمطالب أميركية. ولفتت إلى أن سلامة أكّد لمراجعيه أن السبيل الوحيد لحل الأزمة هو “سياسي، من خلال حلحلة داخلية تسمح بعودة التدفقات المالية من الخارج، وخاصة من دول الخليج”.
ويتّضح من كلام سلامة لمراجعيه أنه لا يزال يمانع عقد اتفاق على برنامج بين لبنان وصندوق النقد الدولي، لعلمه بأن اتفاقاً مماثلاً يعني حُكماً تدقيقاً جدياً في حسابات مصرف لبنان، وإعادة هيكلة للقطاع المصرفي وفق رؤية صندوق النقد، لا وفق رؤية سلامة وأصحاب المصارف اللبنانية. لكن سلامة قال لمراجعيه إنه مستعد للسير في ما تقرره الحكومة المقبلة، لجهة تحديد أرقام الخسائر في القطاع المالي، التي على أساسها سيتم التفاوض مع صندوق النقد. وبحسب المصادر، يعوّل سلامة على موقف المجلس النيابي، الذي لن يمرر أرقام الحكومة، تماماً كما تمكّن من نسف الأرقام التي قدمتها الحكومة المستقيلة. ولفتت المصادر إلى أن الأوراق الثلاث التي سمّاها أصحابها (كتلة حركة أمل، النائب جبران باسيل والنائب السابق وليد جنبلاط) “إصلاحية” وقدموها إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في اجتماع قصر الصنوبر في الأول من أيلول، تتضمن عملياً دفن خطة “التعافي المالي” التي أقرتها حكومة الرئيس حسان دياب. فالورقة الأولى (حركة أمل) طالبت بإقرار خطة جديدة للتفاوض مع صندوق النقد الدولي، كما لو أن الخطة السابقة غير موجودة. أما الورقة الثانية (باسيل)، فطالبت بإقرار خطة “مطوّرة انطلاقاً من خطة الحكومة السابقة”، فيما جنبلاط طالب بتعزيز قدرة مصرف لبنان على تطبيق القانون!
في المحصلة، دخلت البلاد مرحلة حرجة، لجهة القدرة على استيراد السلع الأساسية المدعومة حالياً، فيما تتعامل السلطة النقدية مع الأمر كما لو أنها وسيط من خارج النظام. أما القوى السياسية فلا تفعل شيئاً سوى الانتظار.