إمتعاض بعبدا لم يكن الوحيد، فقد غرّد النائب فيصل كرامي على حسابه على تويتر قائلًا “من المؤكد ان العقد الذي وقّعه وزني لم يكن متطابقاً مع قرار رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، كان لبنان بأكمله يبني آمالاً على هذا التحقيق الجنائي باعتباره سيكشف منظومة الفساد وإنزال العقوبات بهم، ولكن أتى العقد مليئاً بالثغرات وابرزها عدم جواز التدقيق بحسابات مصرف لبنان؛ ليرد النائب علي بزي على كرامي قائلاً: ” فاجأنا تصريحك اليوم وكأنك خبير واضح في التزوير. قل لنا كيف وجدت ان العقد مزوراً، وهل تشرح لنا من وشوش لوزني حسب زعمك للقيام بما قام به”.
يجمع الخبراء القانونيون أن قانوني “السرية المصرفية” و”النقد والتسليف” يمنعان إعطاء معلومات مالية ونقدية لأي شخص أو شركة غير مسموح لها الإطلاع على هذه المعلومات وبالتحديد موظّفي مصرف لبنان. وبالتالي هناك إستحالة بحسب هؤلاء القيام بأي نوع من أنواع التدقيق الجنائي في ظل غياب تعديل هذين القانونين. هذه الحجّة بالتحديد هي التي تقف عائقًا أمام تحقيق تدقيق جنائي في مصرف لبنان على الرغم من “البدعة” التي تنصّ على استخدام خدمات مجموعة “Egmont” التي هي عبارة عن منظمة عالمية مؤلفة من 165 وحدة استخباراتية مالية تهدف إلى تبادل المعلومات المالية في ما يخص عمليات تبييض الاموال وتمويل الارهاب كما والتدريب. ويُشارك لبنان في هذه المنظّمة من خلال هيئة التحقيق الخاصة.
وبالإطلاع على البوابة الإلكترونية لهذه المجموعة (https://egmontgroup.org/)، نرى أنها لا تحوي على خدمات تدقيق جنائي بل هي تتعاطى مواضيع محاربة تيبيض الأموال وتمويل الإرهاب وتُصدر تقارير سنوية عن نشاطاتها.
ردّ وزير المال غازي وزني على هذه الإنتقادات لم يتأخّر. فقد أصدر مكتبه الإعلامي بيانًا نفى فيه “التسريبات التي توّلتها جهات رسمية” وتم تداولها في الإعلام عن قيام الوزير بتعديلات جوهرية وأساسية في عقد التدقيق. فوزني أخذ بملاحظات رئاسة الجمهورية وملاحظات هيئة التشريع والإستشارات باستثناء ما يخصّ مجموعة Egmont حيث أن مجلس الوزراء فوّض الوزير التوقيع مع شركة Alvarez وليس مجموعة Egmont. وبالتالي فإن زجّ إسم مجموعة Egmont في العقد هو فضيحة.
المُلفت في بيان المكتب الإعلامي لوزير المال أنه قال بوضوح “ان وزير المالية لن يطلب من شركة Alvarez المباشرة في عملها ولن يشكل اللجنة الثلاثية التي نص عليها العقد لمتابعة التدقيق المالي وسيترك هذه المهمة للحكومة الجديدة”؛ وهنا لا بد من الإشارة الى ان قرار وزني مرده رفضه الدخول في صراعات القوى السياسية.
يقول خبراء قانونيون لـ”لبنان 24″ إن لا مسوغ قانونيا يُخوّل شركة Alvarez القيام بتدقيق جنائي حتى ولو وقّعت الحكومة العقد مع الشركة. ويذهب هؤلاء أبعد من ذلك بالقول إن إعطاء المعلومات المالية التابعة لمصرف لبنان لشركة Alvarez يُشكّل مخالفة قانونية يتحمّل مسؤوليتها القيمون على مصرف لبنان. وأضافوا أنه يحقّ للموظّفين رفض أمر من حاكم مصرف لبنان بإعطاء هذه المعلومات بحكم أن الأمر مُخالف للقوانين. وبالتالي، الحلّ يكمن فقط في تعديل قانون السرّية المصرفية وقانون النقد والتسليف.
وأوضح مصدر سياسي من جهته، أن مُشكلة التدقيق الجنائي هي تجسيد لصراع سياسي قائم بين القوى السياسية. ويقول “لنفترض أن التدقيق حصل وتوصّلت الشركة إلى خيوط تُدين أحد المسؤولين من الصف الأوّل، هل سيتمّ محاسبة هذا المسؤول؟” بالطبع لا! المُشكلة أن التدقيق كما طُرح يستهدف جهة سياسية مُعيّنة وهو بالتالي تهديد للسلم الأهلي من خلال الإستنسابية التي اعتمدت. وإذ إستبعد المصدر نجاح مُهمّة التدقيق الجنائي لأسباب ظاهرها قانوني وباطنها سياسي محض، رأى أن الحلّ مبنيّ على عاملين أساسيين: (1) البدء بالتدقيق من الوزارات والمؤسسات العامّة على أن يكون شاملًا كي لا يُقال أنه يستهدف فريقا سياسيا مُعيّنا و(2) الإستعانة بهيئة التحقيق الخاصة للوصول إلى حسابات المسؤولين في الدولة.
لا شك أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طرح استعداداً لتذليل العقبات التي يمكن ان تواجه العمل من اجل تطبيق الإصلاحات ومتابعة مسيرة مكافحة الفساد والتدقيق الجنائي في مصرف لبنان. من هذا المُنطلق، اشارت مصادر مطلعة لـ”لبنان24″ الى طرح جرى تقديمه وفحواه أن يقوم خبراء من المصرف المركزي الفرنسي بهذه المُهمّة وهو ما رحب به حاكم مصرف لبنان، إلا أن السلطة التنفيذية لم تُعقّب على هذا الإقتراح وبالتالي يبقى المصير رهن الإتصالات السياسية.
إذًا هل سيصل التدقيق الجنائي الى الغاية المرجوة ام انه سيبقى خطوة استعراضية؟ الجواب بالتأكيد سيأتي في الأيام والأسابيع المقبلة خصوصًا مع قرب موعد تشكيل الحكومة والذي حدّده الرئيس الفرنسي بـ 14 أيلول من هذا العام خاصة وان البند الاول من ورقة الاصلاحات الفرنسية، يتصل بالتدقيق الجنائي في المصرف المركزي، في مهل زمنية معقولة.