في تقرير نشره موقع “بلومبيرغ” (Bloomberg) الأميركي ونقلته قناة “الجزيرة”، قالت الكاتبة آلان والد إن قدرة أوبك على التأثير في سعر النفط قد تراجعت على مدى السنوات 60 الماضية؛ لكن هذا التأثير استمر على جزء من القدرة الاحتياطية العالمية، التي تسيطر عليها المنظمة، وفي ظل وجود الكثير من النفط الخام المخزّن في الصهاريج في جميع أنحاء العالم، فإن هذا الوضع يجعل أوبك غير فعالة اليوم.
عندما تأسست منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) عام 1960، كانت تعمل على تحقيق مهمتين، الأولى هي الدفاع عن سعر النفط من خلال فرض قيود على الإنتاج، أما الثانية فتتمحور حول تعزيز سيطرة الحكومات المحلية على الموارد النفطية الموجودة على أراضيها؛ لكن منذ أكثر من عقد كانت أوبك غير فعالة في تحقيق أهدافها بشكل واضح.
وهذه المنظمة لم تكتسب شهرة ولم تشكل نقطة نقاش سياسي إلى حدود عام 1973، حين نجحت في زعزعة سوق النفط من خلال تمكنها بمفردها من فرض أسعار النفط الخام المرتفعة على كل من شركات النفط العالمية الكبرى والمستهلكين.
مدى سيطرة أوبك
في الواقع، كان السبب الرئيسي وراء تمكن أوبك من انتزاع هذه السيطرة عام 1973 هو انخفاض إنتاج النفط الخام في تكساس عام 1970، ومنذ أوائل السبعينيات، لم يعد بالإمكان الاعتماد على تكساس في تلبية الطلب المتزايد في الولايات المتحدة، وبدلا من ذلك، انتقلت البلاد نحو الاعتماد على واردات النفط الأجنبية، ونظرا لأن دول أوبك كانت تسيطر على 80% من صادرات النفط في تلك الفترة، وجدت الولايات المتحدة نفسها تحت الضغط بسبب هذه المنظمة، كما هي الحال بالنسبة لحلفائها مثل اليابان.
وأشارت الكاتبة إلى أن أوبك كانت قادرة ببساطة على تحديد سعر النفط الذي تريده، ولم يكن أمام العملاء خيار سوى الدفع، واضطرت شركات النفط الكبرى للتقيد بقرارات أوبك حتى لا تفقد حصتها.
وإلى جانب الحظر النفطي الذي فرضته أوبك، تمكّنت هذه المنظمة من السيطرة على السوق، وارتفع سعر النفط بشكل كبير، كما جنت الدول المنتجة أموالا طائلة.
في الحقيقة، لم تكن أوبك قادرة على تحقيق ذلك لو لم تكن الدول المنتجة تسيطر على القدرة الاحتياطية العالمية، وإلى جانب الطلب المتزايد على النفط خلال تلك الفترة، عكس هذا الأمر حاجة العالم الملحة لنفط أوبك.
ولكن قوة أوبك في التأثير على أسعار النفط لم تكن متسقة على مدار الأعوام 60 الماضية؛ لأنها لم تحافظ على سيطرتها الدائمة على القدرة الاحتياطية العالمية.
وعلى سبيل المثال، انهارت أسعار النفط عام 1986، ولم تتمكن أوبك من تدارك الوضع لرفع الأسعار، وذلك بسبب توفّر النفط من مصادر خارج دول أوبك وضعف الطلب.
حينها، حاولت أوبك خفض الإنتاج، إذ خفضت السعودية إنتاجها إلى مليوني برميل فقط يوميا، إلا أن الأسعار ظلت منخفضة، وفي النهاية، لم يتمكن سوى تزايد الطلب من رفع الأسعار.
وفي عام 2014، خفضت السعودية وأوبك أسعار النفط من خلال إيقاف حصص الإنتاج الخاصة بالمنظمة؛ لكن في غضون 6 سنوات لم تتمكن أوبك من تقريب السعر إلى ما كان عليه قبل الانهيار، ويرجع هذا الفشل إلى التدفق الهائل للإمدادات المتأتية من النفط الصخري الأميركي ومن مناطق الاستكشاف العالمي الأخرى التي تؤتي ثمارها.
وقبل جائحة كورونا، كانت الولايات المتحدة تنتج 13 مليون برميل يوميا، مما يمثل رقما قياسيا عالميا؛ لكن حتى محاولات أوبك للتنسيق مع دول خارجية مثل روسيا والمكسيك لم تحقق سوى نتائج محدودة.
أوبك ومواجهة كورونا
اليوم، تواجه أوبك وضعا أسوأ من ذي قبل، فبسبب الانعكاسات الاقتصادية للأزمة الصحية التي خلفها فيروس كورونا، انخفض الإنتاج الأميركي إلى أقل من 11 مليون برميل يوميا، ومن المؤكد أن الولايات المتحدة لديها القدرة على إنتاج ما لا يقل عن 3 ملايين برميل أخرى.
وأي محاولة من طرف أوبك وشركائها لتقليص الإنتاج ورفع سعر النفط ستقابلها زيادة في الإنتاج من منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة، الذين يسارعون للاستفادة من الوضع مرة أخرى، ولكن لفترة وجيزة مع ارتفاع أسعار النفط.
وتدل الفترات الطويلة لانخفاض أسعار النفط على أن نسبة أقل من الأموال تستثمر في التنقيب عن مصادر النفط الجديدة وإنتاجها، وبسبب الانهيار الذي حدث عام 2014 والكارثة الحديثة التي شهدتها أسعار النفط في ربيع عام 2020، خفّض تقريبا جميع المنتجون ميزانية التنقيب بشكل كبير.
ولكن ما إن يتعافى الاقتصاد العالمي وفي حال ارتفع الطلب من جديد، فقد نكون على وشك أن نشهد نقصا في إمدادات النفط من شأنه أن يجعل أوبك المحرك الرئيسي للأسعار كالسابق.
ومن ناحية أخرى، تخشى منظمة البلدان المصدرة للنفط أن الطلب سوف يتراجع بنسق متواصل، لأن الابتكارات الجديدة تسمح للعالم باستخدام أنواع وقود بديلة.