وحتى بافيت يبدو أنه خفف من كراهيته الطويلة للذهب، مع استثمار شركته Berkshire Hathaway بـ565 مليون دولار في ثاني أكبر شركة تعدين للذهب في العالم، شركة Barrick Gold Corporation الكندية.
ومع ذلك، فإن امتلاك أسهم في شركة تعدين الذهب ليس كامتلاك الذهب الفعلي؛ نظراً لأن أسهم الذهب مرتبطة بكل من أسعار الذهب وسوق الأسهم الأوسع، فإنها تميل إلى التحرك مع السوق عندما تنخفض بشكل حاد، وهذا يحرم أسهم الذهب من السمة الرئيسية لسبائك الذهب، وهي تملّك الملاذ الآمن، كما يقول خبراء اقتصاديون في موقع The Conversation الأسترالي.
ما هو الملاذ الآمن؟
الملاذ الآمن هو أصل يحتفظ بقيمته في الأحداث المضطربة وغير المتوقعة، إنه يختلف عن “الأصول الآمنة” التي توفر عائداً مضموناً، مثل السندات الحكومية. عند شراء مثل هذا السند فإنك تقرض المال فعلياً للحكومة، مقابل وعد بأنها ستعيد تلك الأموال (مع الفائدة) في المستقبل. وبعبارة أخرى فإن الأصول الآمنة هي أصول “الدخل الثابت”، وأسعارها مستقرة نسبياً.
من ناحية أخرى، يتقلب سعر أصل الملاذ الآمن، حيث يرتفع في فترات عدم اليقين المتزايد، عندما تتعرض الاستثمارات الأخرى لخسائر فادحة، ولكنها قد تنخفض أيضاً عندما يعود عدم اليقين إلى مستويات طبيعية أكثر.
يمكننا أن نرى هذا في سعر الذهب على مدى العقدين الماضيين، سواء في أعقاب الأزمة المالية العالمية التي بدأت في عام 2008، والآن مع الأزمة الاقتصادية التي سببها كورونا.
كان الانحراف الوحيد عن الدور التقليدي للذهب كأصل ملاذ آمن هو انخفاض الأسعار خلال شهر آذار، حيث انهارت أسواق الأسهم العالمية. يؤكد هذا الانحراف حالة عدم اليقين التي سادت المستثمرين في ذلك الشهر، حيث من المفترض أن يبيع بعض مالكي الذهب السبائك لتغطية الخسائر أو لزيادة المقتنيات النقدية.
لماذا يعتبر الذهب ملاذاً آمناً؟
الجواب البسيط هو أن الذهب نجح في الماضي، وأثبت جدارته لمن راهن عليه، وبناءً على التجارب السابقة في أزمة ما يؤمن الناس بخاصية الملاذ الآمن للذهب وهي فعّالة لأنهم يؤمنون بها.
تم استخدام الذهب منذ العصور القديمة كمخزن للقيمة، أي كأداة للادخار، ما يساعدها في تحقيق هذه الحالة هو جاذبيتها الجمالية، وقابليتها للتطويع (مع نقطة انصهار منخفضة نسبياً تجعل من السهل إنتاج العملات المعدنية أو المجوهرات)، وعدم قابلية التدمير الافتراضية (تقريباً كل الذهب الذي تم العثور عليه أو التنقيب عنه لا يزال موجوداً)، والأهم من ذلك ندرته. على الرغم من أن مئات الآلاف من البشر قد حفروا لاستخراج الذهب ونظفوه وفصلوه عن التراب عبر التاريخ، إلا أن كمية الذهب المستخرج لم تكن كافية لخفض قيمته.
وبسبب هذه الميزات، أصبح الذهب أساساً للمال، ولعب دوراً نقدياً رسمياً خلال فترات العمل بنظام “معيار الذهب الدولي”، ما تطلب من الدول الاحتفاظ باحتياطيات الذهب كدعم لعملتها.
ولا تزال البنوك المركزية تحتفظ باحتياطيات ضخمة من الذهب. من بين 197،576 طناً من الذهب المستخرج عبر التاريخ، يقول مجلس الذهب العالمي إن 17.2% (كسبائك أو عملات معدنية) مملوكة من قبل الحكومات والبنوك المركزية، و21.6% من قبل مستثمري القطاع الخاص، وحوالي 47% كمجوهرات، و14.2% ذهبت لاستخدامات أخرى (كما هو الحال في الإلكترونيات).
“لا أحد يفهم أسعار الذهب”
وفي حين أن الذهب والفضة والبلاديوم والبلاتين كلها “معادن ثمينة”، فإن الثلاثة الأخيرة لا تعتبر ملاذات آمنة مقبولة بشكل عام، لأنها لعبت دوراً نقدياً واستثمارياً مختلفاً في الماضي.
قد يكون الذهب أيضاً ملاذاً آمناً لأنه بسيط ومعروف، وهو أول ما يتبادر إلى الذهن عندما يواجه المستثمرون حالة من عدم اليقين الشديد، أو تواجه الدول أو الشعوب اضطرابات ما.
من المفارقات أن هذه البساطة الظاهرة لا تعني سهولة فهم أسعار الذهب، فبعض العوامل التي تؤثر على سعره ملموسة، مثل العرض والطلب المادي، لكن العديد من العوامل التي تؤثر على سعر الذهب أقل وضوحاً، مثل تغير المفاهيم والتفضيلات ونظرة المستثمرين ومعنويات السوق. وكما قال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بن برنانكي في عام 2013: “لا أحد يفهم أسعار الذهب، وأنا لا أتظاهر بفهمها أيضاً”.
الذهب يحطم رقماً قياسياً.. ولهذا السبب يلجأ إليه الناس وقت الأزمات
في فلسفته الخاصة حول الذهب الذي نصب له الكراهية التاريخية الطويلة، يقول المستثمر الشهير ورجل الأعمال الأميركي الملياردير وارن بافيت، إن “الذهب يستخرج من الأرض، ثم نقوم بصهره، ونحفر مكاناً جديداً في الأرض لنضعه فيه، وندفع أموالاً لأشخاص من أجل حراسته، إنه لا يمثل أي منفعة”. ومع ذلك فإننا لا نزال نحب الذهب، خاصة في أوقات عدم اليقين أو عدم الاستقرار. ومع أزمة كورونا المستمرة منذ نحو 9 أشهر، ارتفع الاهتمام بالذهب، ما دفع سعره إلى مستويات تاريخية عالية، متجاوزاً الرقم القياسي السابق الذي سجله في آب 2011.