وأحدثت تغريدة بايدن -القوية في لهجتها- وقعاً شديداً في المملكة المتحدة التي لم تتعود من حليفها الأميركي مثل هذا التهديد، كما أنها تفتح الباب على مصراعيه لمزيد من تأزيم العلاقات بين البلدين، في حال وصول المرشح الديمقراطي للبيت الأبيض، بحسب ما جاء في تقريرٍ لقناة “الجزيرة”.
ووفقاً للتقرير، يعوّل جونسون كثيراً على اتفاق التبادل الحر بين البلدين لملء الفراغ الذي سيتركه الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وهو ما عبر عنه مايك بنس نائب الرئيس الأميركي في وقت سابق بقوله “عندما يكونون في الخارج سندخل نحن” ويقصد الأوروبيين وأن الولايات المتحدة كفيلة بتعويضهم.
وبرر بايدن معارضته الشديدة لقانون “السوق الداخلية” بأنه يهدد اتفاق “الجمعة العظيم” بين أيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا، وأن انتهاك جونسون للقانون الدولي سيعيد الحدود الصلبة بالجزيرة الأيرلندية، وهو ما جاء به اتفاق السلام كي يتخلص منه.
ووضع المرشح الرئاسي الاتفاق التجاري مع بريطانيا في كفة، وقانون “السوق الداخلية” في كفة، وعلى جونسون أن يختار، علما بأن الأخير بذل كل ما في وسعه للتوقيع على “أكبر اتفاق تجاري بالتاريخ” كما وصفه الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وبحسب خبراء فإن التوقعات -في حال إتمام هذا الاتفاق- تشير إلى أنه سيرفع حجم المبادلات التجارية بحوالي 4 إلى 5 أضعاف، علما بأن المبادلات بين البلدين حاليا تصل قيمتها إلى 200 مليون مليار دولار سنويا، مما يعني أنها مؤهلة للوصول إلى ما يقارب تريليون في حال إقرار الاتفاق.
وفي أجواء الانتخابات التي تعيشها الولايات المتحدة، فلا أحد من المعسكرين المتنافسين يريد أن يقدم هدية للآخر، خصوصا لو كانت بحجم اتفاق تبادل حر سيكون هو الأكبر في تاريخ البلدين، ولهذا انضم بايدن، لجهود حزبه، في عرقلة أو على الأقل تأخير المفاوضات حول هذا الاتفاق، حتى لا يتم إبرامه، بحسب تقرير “الجزيرة”.
ويظهر هذا التوجه لدى الديمقراطيين، من خلال المراسلة التي بعث بها رئيس لجنة التجارة الخارجية بالكونغرس لرئيس الوزراء البريطاني، يطالبه فيها بعدم المضي قدما في قانون “السوق الداخلية” وإلا فإن أي اتفاق تجاري مع بلده لن يمر في الكونغرس، وهو ما دعمته نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي.
غضب الساسة البريطانيين من اللغة التي اعتمدها بايدن يخفي أيضا تخوفا لدى الحكومة على مصير الاتفاق التجاري، فحتى إن بقي ترامب لولاية ثانية، سيحتاج الاتفاق لموافقة الكونغرس ذي الأغلبية الديمقراطية.
ومن وجهة نظر بريطانية، فإن حكومة الملكة قد قدمت كل الضمانات وحتى التنازلات الممكنة من أجل إنجاح الاتفاق التجاري مع الولايات المتحدة، ولعل أهم إجراء هو انسحاب لندن من المعايير الصحية للمنتجات الغذائية المعتمدة من طرف الاتحاد الأوروبي، حتى يكون بمقدور المنتجات الأميركية الدخول للسوق البريطانية.
بل إن وثائق -تم تسريبها خلال الانتخابات البريطانية نهاية العام الماضي- كشفت أن الأميركيين يريدون الاستثمار في القطاع الصحي البريطاني، وذلك في سابقة تاريخية للمملكة.
وما يزيد من تعقيد الوضع بالنسبة لجونسون، أنه يسير نحو الانسحاب من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق، وفي حال إفشال الاتفاق التجاري مع الولايات المتحدة من طرف الديمقراطيين، فستجتمع على الاقتصاد البريطاني 3 ضربات موجعة: خروج من أوروبا بدون اتفاق تجاري، فشل الرهان على الولايات المتحدة، النتائج المدمرة لوباء كورونا على الاقتصاد.
ولهذا ذهبت تحليلات كثيرة لكون موقف بايدن يأتي أيضا نتيجة للضغط الذي يقوم به اللوبي الأيرلندي في واشنطن، ونجاحه في الوصول لشخصيات تم تعيينها في مناصب مهمة للإشراف على كل الاتفاقيات التجارية للولايات المتحدة.
وتستند هذه التحليلات إلى الاستقبال الذي حظي به زعيم حزب “شين فين” في واشنطن، علما بأن هذا الحزب يعتبر الجناح السياسي للجيش الجمهوري الأيرلندي.
وتريد جمهورية أيرلندا أن تضمن لنفسها انعدام أي حدود مع أيرلندا الشمالية بعد البريكست، ولهذا تضغط بكل ما تستطيعه في واشنطن، لأنها تعلم أن الاتفاق التجاري مع الولايات المتحدة كفيل بجعل جونسون يتراجع عن نيته انتهاك الاتفاق الذي أبرمه مع الاتحاد الأوروبي حول وضعية الجزيرة الأيرلندية.