في الاول من حزيران جرى الاعلان رسمياً عن السلة الغذائية الاولى المدعومة على سعر 3200 ليرة والتي تضمنت 30 سلعة أساسية. من بعد حوالى الشهر تقريباً وتحديداً في 7 تموز توسع الدعم ليشمل 300 سلعة على سعر 3900 ليرة. الحديث وقتها تركز على ان الدعم لن يكون من احتياطي العملات الاجنبية، بل من التحويلات الخارجية. فالتحضير للدعم كان قد ترافق مع اتخاذ مصرف لبنان بتاريخ 16/4/2020 قراراً وسيطاً حمل الرقم 13220. القرار ألزم المؤسسات المالية غير المصرفية التي تتعاطى التحويلات الالكترونية، تسديد قيمة أي تحويل نقدي الكتروني بالعملات الاجنبية يَرد اليها من الخارج بالليرة اللبنانية وفقاً لسعر السوق، وأن تبيع من الوحدة الخاصة المنشأة في مديرية العمليات النقدية لدى مصرف لبنان العملات النقدية الاجنبية الناتجة من العمليات المشار اليها اعلاه.
التحويلات لا تغطي الدعم
وبحسب التقديرات آنذاك فان كلفة الدعم الشهرية للسلة الغذائية تتراوح بين 150 و200 مليون دولار، ومن الممكن تغطيتها بسهولة من التحويلات الخارجية بالعملات الأجنبية من دون مس الاحتياطي. إلا ان رياح التحويلات سارت بعكس ما اشتهت سفينة الدعم. ففي الوقت الذي كانت فيه فاتورة الدعم ترتفع بوتيرة ملحوظة عن المعدلات المتوقعة، كانت التحويلات تتراجع بشكل دراماتيكي. وكما تفيد أرقام شركة OMT، التي تستحوذ على الحصة الاكبر من التحويلات الالكترونية الخارجية، فان التحويلات عبرها تراجعت خلال 4 أشهر بنسبة 80 في المئة. فمن بعد ان وصلت قيمة التحويلات في شهر نيسان إلى 120 مليون دولار تراجعت في تموز إلى أقل من 20 مليوناً شهرياً.
رئيس مجلس إدارة OMT المحامي توفيق معوض، يعزو سبب التراجع إلى ارتفاع الدولار في السوق السوداء إلى أكثر من 8 آلاف ليرة في الاشهر اللاحقة لقرار المركزي، فيما الشركات كانت ملزمة لدفع الدولار على سعر 3900 ليرة. وبحسب معوض فانه “في الشهر الاول على قرار مصرف لبنان لم نلحظ أي تراجع بقيمة التحويلات، واستطاعت ان تحافظ على نسقها المعتاد المقدر بـ 120 مليون دولار. وذلك بسبب استقرار سعر الدولار في السوق السوداء في منتصف نيسان على 3800 و3900، وهو ما يوازي ما ندفعه. وبالتالي لم يحجم المغتربون عن ارسال الاموال إلى ذويهم عبر شركات تحويل الأموال. وفي الشهر الثاني بدأ سعر صرف الدولار يرتفع في السوق السوداء إلى 4000 و5000 ليرة، فانخفضت التحويلات إلى 70 مليون دولار. وفي الشهر الثالث انخفضت التحويلات إلى 50 مليون دولار بعدما وصل سعر الصرف إلى 7000 ليرة”. وفي نهاية تموز، أي قبل أيام عن تراجع مصرف لبنان عن قراره “كانت الكارثة”، بحسب معوض، حيث “تراجعت التحويلات إلى 20 مليون دولار فقط”.
السلّة الغذائية تموّل من الاحتياطي
بالاضافة إلى الآثار السلبية التي رتبها قرار مصرف لبنان بدفع التحويلات بالليرة، فان أرقام OMT تثير تساؤلات عن كيفية تأمين أموال الدعم. وهل حقاً لم يمس الاحتياطي؟ بحسب الارقام فان ما وصل إلى لبنان من عملات أجنبية خلال الاشهر الاربعة عبر الشركة التي تستحوذ على حوالى 70 في المئة أو أكثر من حجم التحويلات بلغ 260 مليون دولار. واذا افترضنا انه وصل عبر الشركات الباقية التي تمثل 30 في المئة حوالى 65 مليون دولار، يكون المجموع العام للأشهر الاربعة الممتدة من تاريخ 16 نيسان ولغاية 6 آب هو 325 مليون دولار، فيما كلفة الدعم من حزيران ولغاية أيلول تتجاوز 800 مليون دولار. فمن أين تأمن الفرق المقدر بـ 475 مليون دولار أو ما يعادل نصف مليار. الجواب على هذا السؤال يأتي سريعاً من جدول تناقص احتياطي العملات الاجنبية الذي نشره المركزي. فهو يظهر تراجع الاحتياطي بقيمة 938 مليون دولار في شهر أيار و567 مليوناً في حزيران و2.3 مليار دولار في تموز. الأمر الذي يشكل دليلاً على ان احتياطي العملات الاجنبية لم يخصص فقط للسلع الثلاث (نفط، قمح ودواء) المدعومة على 1515 بنسبة 85 في المئة، بل امتد أيضاً إلى السلع الغذائية.
الرفع الآني للدعم وإلا!
إنطلاقاً من معدلات التناقص الشهري في احتياطي العملات الأجنبية، فانه من المتوقع ان يصل الاحتياطي إلى الخط الاحمر في نهاية تشرين الثاني. عندها، ستقف الدولة عاجزة عن تأمين بديل جدي للمواطنين يقيهم لهيب نار ارتفاع الاسعار. فالبطاقة الذكية التي يجري الحديث عنها كبديل لدعم احتياجات المواطنين بشكل مباشر لن تنفع. وهي بحسب مصادر متابعة “لن تكون بالدولار. والأخطر انها لن تمول من احتياطي العملات الاجنبية، لانه يكون قد نفد كلياً حتى ذاك الحين، بل بالليرة المطبوعة. وهو ما سيزيد التضخم ويدخل البلد بدوامة من ارتفاع الاسعار وزيادة الاصفار على سعر الصرف”. وبرأيه فان “رفع الدعم مطلوب اليوم قبل الغد للحؤول دون كارثة اجتماعية”.
الأمل باستمرار التحويلات
ما يشفع للبنانيين في ظل هذه الازمة الطاحنة التي يمر بها البلد هو عودة التحويلات بالعملة الاجنبية من الخارج إلى معدلاتها المعتادة. وبحسب معوض فقد بلغت التحويلات عبرهم في شهر آب، بعد تراجع المركزي عن قرار دفع التحويلات بالليرة، حوالى 100 مليون دولار. وعلى الرغم من الازمة الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة وتراجع الاعمال في مختلف الدول التي ينتشر فيها اللبنانيون فان عدد الحوالات لم يتراجع، وهو مستقر عند حدود 150 الف حوالة شهرياً. إلا ان ما يلاحظه معوض هو “انخفاض معدل الحوالة من 850 دولاراً في السابق إلى حوالى 600 دولار حالياً”. وهو ما يعتبره “أمراً ايجابياً في ظل الظروف التي يمر بها العالم وعنصراً مساعداً لتخطي الازمة التي يمر بها لبنان”.