في السنوات الأخيرة لمع معدن ثمين أصبح المنافس الأقوى للذهب على احتلال عرش الاستثمار الآمن، خاصة في وقت الأوبئة والحروب والتوترات السياسية التي تؤثر سلبا على شهية المخاطرة لدى المستثمرين وتدفعهم إلى البحث عن ملاذات آمنة لاستثمار أموالهم.
ورغم أنه اكتُشف في عام 1803 إلا أن بريق معدن “البلاديوم” زاد لمعانه في عيون المستثمرين خلال الأربع سنوات الماضية، بعد تحقيق طفرات سعرية قياسية، حتى أصبح أغلى من الذهب نفسه، ووصل سعر البلاديوم إلى أعلى مستوى له بالتاريخ في 27 شباط الماضي مسجلا 2882.11 دولارا للأوقية، مقابل 1661.40 دولارا لأوقية الذهب في نفس اليوم، قبل أن يبدأ وباء كورونا في شل الاقتصاد العالمي.
وخلال تعاملات الجمعة الماضية، سجل سعر البلاديوم 2435.6 دولار للأوقية في حين سجل سعر الذهب 1934 دولارا للأوقية. وارتفع البلاديوم بنحو 26 بالمئة منذ بداية 2020، في حين زادت أسعار الذهب 25 بالمئة خلال نفس الفترة.
والبلاديوم أكثر ندرة 30 مرة من الذهب، ويعد أحد العناصر الستة في مجموعة البلاتينيم التي عرف عنها أنها عوامل حفازة ممتازة لزيادة سرعة التفاعلات الكيميائية، كما أن الذهب يعد معدن ثانوي بمعنى أنه يتم استخراجه من عمليات تعدين البلاتينيم والنيكل، وله خصائص فيزيائية مهمة جدا يتم الاستفادة منها في تقليل الانبعاثات الكربونية بنسبة تصل إلى 90 بالمئة.
ويتم استخدام نحو 80 بالمئة من إنتاج البلاديوم في صناعة السيارات لتقليل الانبعاثات الكربونية الصادرة من عوادم السيارات، كما يتم استخدامه كذلك في صناعات عديدة منها: “الإلكترونات، طب الأسنان، التطبيقات الكيميائية، المجوهرات (لذلك يطلق عليه الذهب الأبيض)، معالجة المياه، وعدد من المنتجات الصناعية الأخرى.
أهمية البلاديوم
ويكتسب أهمية البلاديوم إلى جانب خصائصه وتعدد استخداماته من ندرته، فوفقا لموقع “investing.com” انخفضت مخزونات البلاديوم الموجودة فوق سطح الأرض بمقدار 5.3 مليون أونصة (165 طن)، أو حوالي 30 بالمئة منذ عام 2010.
وتتوقع شركة الاستشارات المتخصصة بالمعادن (متلز فوكس) أن يبلغ النقص في البلاديوم 124 ألف أونصة (3.9 طن) في العام الحالي، مشيرة إلى أن هذا سيكون أقل مستوى عجز في سوق البلاديوم، منذ أن كان السوق في فائض لأخر مرة في عام 2011. وفي عام 2016 بلغ العجز 1.29 مليون أونصة.
ومع تشديد الاتحاد الأوروبي شروطه للحد من الانبعاثات الضارة وخاصة المتعلقة بعوادم السيارات، وخاصة في 2015 بعد فضيحة تلاعب شركة “فولكس فاغن” الألمانية لتصنيع السيارات في التلاعب بقياس نسبة عوادم السيارات وتزييف البيانات الخاصة بذلك زاد الطلب على البلاديوم شكل كبير لدخوله بشكل أساسي في صناعة محركات السيارات، ما دفعه المعدن الأبيض لتحقيق طفرات سعرية قياسية.
وتقوم شركات السيارات العالمية بطلاء المحول الحفاز أو (catalytic converters) بطبقة رقيقة من البلاديوم الذي يعمل عند احتراق الوقود على خفض معدلات عوادم أول أوكسيد الكربون وأوكسيد الآزوت وثاني أوكسيد الأزوت قبل طردها عن طريق نظام العادم إلى خارج السيارة في شكل ماء وثاني أكسيد الكربون.
“كنز معرض للسرقة“
وبحسب موقع “يورونيوز” شهدت بعض مدن أوروبا والولايات المتحدة ارتفاعا ملحوظا في حالات سرقة المحولات الحفازة في 2019، للحصول على معدن البلاديوم بعد إعادة تدوير هذه المحولات.
وسجلت السلطات في ولاية فيرجينيا الأمريكية أكثر من 15 حالة سرقة لمحولات حفازة من سيارات تركت في الشوارع خلال شهرين فقط العام الماضي، كما سجلت الشرطة البريطانية عدد من عمليات سرقة سيارات مثل بي إم دبليو وأودي وفولكس فاغن التي تعد الأكثر تزودا بمعدن البلاديوم، الذي يباع في أسواق الخردم بأسعار تصل إلى نحو 400 دولار.
وتحتوي السيارات الصغيرة والشاحنات الخفيفة، بحسب الموقع، على 2 إلى 6 جرامات من معدن البلاديوم، أما السيارات ذات الدفع الكلي التي تنتج معدلات أكبر من العوادم فيبلغ ما تحويه نحو أونصة كاملة من البلاديوم أي نحو 31.1 جراما.
وقد تداولت مواقع إعلامية بريطانية شريط فيديو للص ملقام بسرقة المحول في وضع النهار وعلى الطريق العام مسببا ازدحاما مروريا، دون أن يعير بالا للمحيطين به أو بحركة السير الخانقة التي تسبب بها، وما إن أنهي “عمله” حتى عاد أدراجه وركب سيارته التي ركنها قرب السيارة المسروقة، وسط ذهول وحيرة من مصور الفيديو.
أما في ولاية ميسوري الأمريكية، وضع لصوص أنظارهم على الشاحنات. تم أخذ أجهزة مكافحة التلوث من حوالي 20 شاحنة متوقفة في موقع واحد على مقربة من سانت لويس في وقت سابق من هذا الشهر،وهو اختيار ذكي لأن السيارات الكبيرة تستخدم المزيد من المعادن البلاتينية في محولاتها.
كبار المنتجين
ووفقا لموقع “أرقام” تعد روسيا وجنوب أفريقيا وكندا والولايات المتحدة وزيمبابوي أكبر خمس دول منتجة للبلاديوم في العالم.
وأنتجت روسيا 81 طنا متريا من البلاديوم عام 2017، بينما أنتجت جنوب أفريقيا 78 طنا وكندا 19 طنا وأميركا 13 طنا، وزيمباوي 12 طنا، وفق المصدر ذاته.
وتحتل شركة “نوريلسك نيكل” الروسية المرتبة الأولى بين أكبر منتجي البلاديوم على مستوى العالم، فهي تمثل 39 بالمئة من الإنتاج العالمي.
طرق الاستثمار في البلاديوم
يقول محللون ومختصون إن هناك عدة طرق للاستثمار فى البلاديوم، منها: شراء سبائك من البلاديوم، أو الاستثمار في العقود الآجلة للبلاديوم التي يتم تداولها في بورصة نيويورك التجارية وبورصة طوكيو للسلع الأساسية، أو الاستثمار في الصناديق المتداولة للبلاديوم، وهى صناديق استثمار مفتوحة مدعومة بسبائك من البلاديوم، أو شراء أسهم فى شركات تعدين البلاديوم (الشركات التي تعمل فى مناجم استخراج البلاديوم وإنتاجه).