التعاميم تضيع في متاهات الأزمة… الدولة تبحث عن الدولار

15 أكتوبر 2020
التعاميم تضيع في متاهات الأزمة… الدولة تبحث عن الدولار

كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن” وضع مصرف لبنان آمالاً كبيرة على التعميم 154 لتعزيز سيولة المصارف بالعملة الاجنبية، واعادة ضخ الدولار في شرايينها الناشفة. وقد ذهب بعيداً في امكانية إرجاع نحو 4 مليارات دولار من تاريخ صدور التعميم في 26 آب ولغاية شباط 2021. بيد ان “رياح” إنعدام الثقة بلبنان، جرت بما لا يشتهي التعميم. والـ 450 مليون دولار المسترجعة قد تكون الحد الاقصى، أو قد يزيد المبلغ عنها قليلاً. وستنحصر المبالغ المرجعة بحسب التقديرات بالحسابات التي يخشى اصحابها تفتّح العيون عليهم وإعادة التدقيق بمصادر أموالهم، لجهة شبهات تتعلق بتبييض الاموال أو التهرب الضريبي أو خلافه. خصوصاً ان التعميم كان واضحاً لجهة الزامية المصارف إبلاغ المركزي بالعملاء الرافضين الانصياع. “حينئذ تبلغ هيئة التحقيق الخاصة النيابة العامة التمييزية التي تبادر بالتحقيق معهم بجرم تبييض الاموال”. ويكفي أصحاب الحسابات المشكوك بصحتها بدء الاستفسارات عن أرصدتهم في الخارج لكي يقلقوا، حتى ولو كان التعميم يجافي القانون.

الرهان على المصالح المتبادلة

رئيس تجمع رجال الاعمال اللبنانيين فؤاد رحمة يعتبر ان “محاولة مصرف لبنان استعمال الأدوات المالية لتكوين احتياطي بالعملات الاجنبية اصطدمت بعدة عقبات. فانعدام الثقة واهمال الاصلاحات والخوف من احتجاز الاموال في المصارف… عوامل حدّت من امكانية جذب الاموال بواسطة السياسة التقليدية المبنية على رفع الفوائد”. ولم يعد برأي رحمة “مجال أمام “المركزي” إلا اللعب على وتر علاقة المصارف بمودعيها، التي يفترض أن تكون مميزة، والطلب منها حث عملائها على ارجاع جزء من المبالغ المحولة من بعد 1 حزيران 2017؛ أي بالتزامن مع تسديد فوائد الهندسات المالية التي استفاد منها الجميع. ولاضافة عنصر الترهيب بعد الترغيب، “عمد المركزي إلى التهديد باحالة الرافضين الانصياع للتعميم إلى هيئة التحقيق”.

من حيث المضمون يتفق الجميع على ان التعميم غير قانوني. فلا يوجد قانون كابيتال كونترول يمنع تحويل الاموال ولا شيء يمنع التصرف بالاموال في الفترة التي لحظها التعميم. واكثر من ذلك فان عملية “الحث” التي بني عليها التعميم غير الزامية وحرية تحويل الاموال مصانة بالدستور. وبالتالي فان الفكرة أو الذهنية التي تقف وراء التعميم هي “ان يقوم اصحاب المصارف بالطلب حبياً من المتمولين إرجاع نسبة من المبالغ وذلك كخدمة تعوض عن عشرات الخدمات التي قدّمها المصرف لهم”، يقول رحمة. خصوصاً ان هذا التعميم “تزامن مع الطلب من المصارف تكوين 3 في المئة من مجمل ودائعهم من تاريخه حتى شباط 2021”.

إذاً فان تجاوب المودعين مرتبط بعلاقة المصرف معهم. وكما يظهر فان مصلحة اصحاب البنوك ورؤساء مجالس الادارة تكمن في انصياع المودعين ومساهمتهم في رفع الاحتياطي، ذلك ان افلاس المصرف يعني ان اصحاب المصارف مسؤولون بأموالهم الشخصية واملاكهم الخاصة. إلا ان البناء على الافتراض “الوردي” بتجاوب المودعين، تقابله مقاومة شرسة على أرض الواقع، نتيجة انعدام الثقة بالمصارف والنظام. وعليه “فهم لن ينصاعوا بأغلبيتهم. فقط، من تدور شبهات على مصادر امواله سيكون من مصلحته ارجاع الاموال وإقفال ملفه، وتشريع المتبقي من امواله في الخارج، ويكون بذلك “يا دار ما دخلك شر”، يقدّر رحمة. ومن الجهة الاخرى يلقى التعميم معارضة من التجار، الذين تتطلب أعمالهم تحويل مبالغ كبيرة للخارج لشراء البضائع وليس لفتح حسابات مصرفية. وبالتالي لا يمكنهم إرجاع أي نسبة من المبالغ المحولة لعدم امتلاكهم أرصدة في الخارج. فالاموال المحولة جرى فيها شراء سلع وبضائع.

التعميم 568

التركيز على التعميم الاشكالي 154 أغفل تعميماً آخر كان “المركزي” قد أصدره قبل يوم واحد من التعميم الاخير، وتحديداً في 28 آب وحمل الرقم 568، حيث يجبر بموجبه المقترضين من الشركات ومن غير المقيمين، بتسديد سندات القروض بعملة القرض أي بالدولار. وهو ما كان يتطلب التمييز بين المقترضين الذين ما زالوا يسعّرون بضائعهم او خدماتهم بالسعر المعمول به من مصرف لبنان أي 1507.5، وأولئك الذي سعروا بحسب السوق. وعليه “كان الاجدى بالمصارف بحكم معرفتها المسبقة بزبائنها الطلب من الشريحة الاخيرة التسديد بالدولار والسماح للبقية بالتسديدعلى سعر 1507.5″، بحسب رحمة. “أمّا في ما يتعلّق بطريقة تسديد غير المقيمين فكان من المفترض ان تترافق مع آلية سليمة بالتطبيق تميّز أيضاً بين القروض التي أُخذت لتمويل مشاريع داخلية أو خارجية. وبالتالي الزام أصحاب المشاريع في الخارج بالتسديد عبر الدولار النقدي والسماح للبقية بالتسديد باللولار”.

ماذا نستنتج؟

“العبرة من قراءة نتائج التعميمين 154 و 568 نقدياً هي الخلاصة ان التعاميم لا يمكن ان تحل مكان الاصلاحات”، من وجهة نظر رحمة. “وهذان التعميمان تحديداً، كانا ليكونا ممتازين لو تم وضعهما مع آليات تطبيقية سليمة من بعد اتمام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي ووضع قانون للكابيتال كونترول. وترافقاً مع حملات ترغيب تعكس الشعور الوطني والحس بالمسؤولية”. وطالما انهما ضعيفان من الناحية القانونية والثقة بالبلد والنظام ما زالت معدومة، فان نتائجهما ستكون ضعيفة. وبحسب رحمة فان التسرع بوضعهما موضع التنفيذ في هذه الظروف وبهذه الطريقة فوّتا على البلد فرصة الاستفادة من استرجاع جزء من السيولة النقدية بالدولار. خصوصاً مع تعقد او شبه استحالة استرجاع الاموال المنهوبة وتعقّد إجراءاتها وتتطلبها عشرات السنوات”.