هل يتخلى العالم عن النفط والغاز… ويتوجه للطاقة النظيفة؟!

21 أكتوبر 2020
هل يتخلى العالم عن النفط والغاز… ويتوجه للطاقة النظيفة؟!

تعهد بنك “جي بي مورغان” (JP Morgan) بمساعدة العملاء على مواءمة أعمالهم مع أهداف انبعاثات اتفاقية باريس، وأعلنت شركة هونغ كونغ وشنغهاي (HSBC) للخدمات المصرفية عن تمويل يصل إلى تريليون دولار للطاقة الخضراء.


كما حثت مجموعة من المستثمرين بقيمة أصول تبلغ 20 تريليون دولار الجهات التي تطلق كميات كبيرة من الانبعاثات على التوجه نحو الطاقة النظيفة، وقالت مجموعة أخرى، تبلغ قيمتها 5 تريليونات دولار، إنها ستضع أهدافا لانبعاثات أقل لحافظة الاستثمار.

وقالت الكاتبة إيرينا سلاف، في تقرير نشره موقع “أويل برايس” (Oil price) الأميركي، إن هذا التوجه لا يعد حديثا، حيث بات تردد البنوك الأميركية إزاء الاستمرار في تقديم قروض لتمويل شركات النفط والغاز -قبل انهيار الأسعار هذا العام وانتشار وباء كورونا- ملموسا، فقد تبين أن الإنتاجية الجيدة كانت أقل مما هو متوقع وأن المقترضين كانوا يغرقون أكثر فأكثر في الديون، وكان لزاما على البنوك أن تحمي نفسها.

لكن هذا العام، تكثف التوجه بشكل كبير حيث حصلت حركة الطاقة الخضراء على دفعة كبيرة من خطط التعافي في مرحلة ما بعد الوباء، ويزعم واضعو هذه الخطط أن التعافي الوحيد الذي كان منطقيا يمر حتما عبر الطاقة النظيفة، وظهرت للمقرضين فرص جديدة.

على سبيل المثال، جعل الاتحاد الأوروبي استخدام ما لا يقل عن 37% من الأموال لتمويل مشاريع الطاقة الخضراء شرطا لتوزيع أمواله المخصصة للتعافي من الأوبئة البالغة 878 مليار دولار (750 مليار يورو)، ولا يقتصر هذا الأمر على أوروبا فقط، حيث أثبتت الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة هذا العام أنها أكثر مرونة وقدرة على الصمود مقارنة باستثمارات الوقود الأحفوري.

وسُجل انخفاض حقيقي، لكنه كان أقل من ذلك الذي لوحظ في قطاع الوقود الأحفوري، ومع ذلك، قد يكون من السابق لأوانه التخلي عن النفط والغاز، وفقا لمطلعين على قطاعي النفط والمصارف، فمن غير المرجح القيام بذلك.

آثار سلبية
قالت ليزلي باير، رئيسة جمعية المعدات والخدمات البترولية الأميركية، ورابطة التجارة الوطنية لخدمات حقول النفط وصناعة المعدات، في تصريح لها لموقع “أويل برايس”، إن سحب الاستثمارات على نطاق واسع من النفط والغاز ستكون له آثار سلبية على القطاع ولكنه سيكون أيضا ضارا بأهداف البنوك.

وأوضحت باير أنه لم يقع تطوير تكنولوجيا الطاقة المتجددة بالكامل على نطاق واسع لتوفير الطاقة التي يحتاجها العالم، وحتى إن لم يكن الأمر كذلك، فإن النفط والغاز الطبيعي جزء مهم من سلسلة توريد الطاقة المتجددة، وأن انتقال الطاقة الحالي لا يعني استبدال شكل من أشكال الطاقة بآخر، ولكن يهدف إلى عمل جميع أشكال الطاقة، والنظام البيئي للطاقة بأكمله معا من أجل تزويد العالم بطاقة أنظف وأكثر موثوقية وبأسعار معقولة.

من جانبه، قال أندرو غولدستين، رئيس شركة أطلس كوموديتيز (Atlas Commodities) للسمسرة في السلع، إن الانتقال إلى مستقبل طاقة متجددة بالكامل سيكون أمرا صعبا، وتابع “لا أصف التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة بالخطير على صناعة النفط والغاز ككل، لكن تكلفة تزويد الكوكب بالطاقة من مصادر الطاقة النظيفة وحدها ستكون باهظة للغاية”.

في المقابل، لاحظ غولدستين أن الطاقة المتجددة تسترعي اهتمام شركات النفط الكبرى والبنوك بشكل أكبر، لأنها ترى أن الطلب على مثل هذه الطاقة سيرتفع في المستقبل بغض النظر عن التحديات التي ستواجهها.

ولكن هناك أمرا آخر يتعلق بانتقال الطاقة، ينبغي على البنوك عدم تجاهله لأن تبنيها المتحمس لمصادر الطاقة المتجددة والتهرب من النفط والغاز سيكون بمثابة مجازفة.

وأقر بول ستوكلي، رئيس قسم النفط والغاز في شركة محاماة يقع مقرها بالمملكة المتحدة، بوجود توجه محدد للبنوك ومقدمي الخدمات المالية يحد من تعاملهم مع صناعة النفط والغاز.

وأضاف ستوكلي أن التخلي الكامل عن النفط والغاز من شأنه أن يلحق الضرر بالمقرضين والمقترضين على حد سواء، والحقيقة أن العديد من الأطراف المؤيدة لاستخدام مصادر الطاقة المتجددة تميل إلى التغاضي عن هذا الأمر، لكن صناعة النفط والغاز في وضع جيد يسمح لها بمساعدة انتقال الطاقة.

في السياق ذاته، أضافت باير أن هناك مليار شخص يفتقرون إلى القدرة على الوصول إلى خدمات الكهرباء في جميع أنحاء العالم، وسوف يرتفع الطلب على الطاقة بنسبة 25% بحلول عام 2040، ويعكس هذا الأمر مدى أهمية الحجم وتوافر الهياكل الأساسية.

التخلي عن النفط والغاز

 لا تتخلى البنوك عن النفط والغاز من تلقاء نفسها، بل يقع توجيهها نحو هذا المسار من خلال زيادة التشجيع على الاستثمار في الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية وضغط المستثمرين من أجل الإقراض منخفض الانبعاثات، فضلا عن اللوائح الجديدة التي تهدف إلى دفع أجندة اتفاق باريس، ومع ذلك، يشار إلى أنه حتى الوكالة الدولية للطاقة، التي تعد المؤيد الأبرز للانتقال نحو الطاقة الخضراء، تتوقع استمرار صناعة النفط والغاز لفترة طويلة واستمرار تزويد عدد متزايد من سكان العالم بالطاقة التي يحتاجونها.

وحسب أوليفر أبيل سميث، الشريك المصرفي في “فيلدفيشر”، إذا تخلت البنوك عن شركات النفط والغاز ومحتها من قائمة عملائها، وهو أمر مستبعد، ستبقى هناك بدائل للصناعة، من بينها تجار السلع وصناديق الديون الخاصة والقروض المرتبطة بالاستدامة.

في نهاية الأمر، البنوك مؤسسات عملية، تختلف عن تلك التي تقودها الاهتمامات الأيديولوجية، وبناء على ذلك، من غير المرجح أن تدير ظهورها بالكامل للنفط والغاز، ولكن بعض الشركات قد تعمل على الحد من التعامل مع هذه الصناعة، بغية البحث عن مصادر مالية أكثر احتراما للبيئة.