فتأمين الدولارات يبقى حاجة ملحّة ليس للغذاء والدواء والمحروقات وحسب، بل أيضاً للإنترنت ومعدات صيانة الكهرباء ومولداتها ومعاملها، وللمطار والمطامر والنفايات، ولكل خدمة تتولاها شركة أجنبية أو لبنانية تعتمد على معدات مستوردة.
الدولار والكهرباء
شح الدولار في البلد والقيود على تحويلات الدولار إلى الخارج، يهدّدان بفقدان الخدمات الأساسية، بينها الإنترنت والكهرباء وغير ذلك. وكنا قد شهدنا تهديدات جدّية من قبل شركة كارباورشيب التابعة لشركة كاردينيز التركية مؤخراً (وهي الشركة المالكة والمشغلة لباخرتي الطاقة أورهان بيه وفاطمة غول سلطان في لبنان) حين أمهلت مؤسسة كهرباء لبنان في كتاب لها، شهراً واحداً فقط لدفع مستحقاتها بالدولار الأميركي، من دون أن تتخذ الشركة قراراً بالتوقف عن العمل. لكنها أبلغت المؤسسة صعوبة الاستمرار بتأمين التيار الكهربائي في ظل الوضع القائم.
تفوق مستحقات الشركة مع الفوائد نحو 163 مليون دولار، بعدما تراكمت، نتيجة عجز الدولة عن سداد الفواتير بالدولار نقداً منذ ايلول 2019. أي منذ قرابة 14 شهراً لم تتقاض الشركة التركية أي أموال من الدولة اللبنانية.
وبعد أن تردد بأن كهرباء لبنان عرضت على الشركة التركية سداد نصف قيمة المستحقات بالدولار ونصفها الآخر بالليرة اللبنانية، أكد مصدر مطلع على ملف الشركة التركية، في حديث إلى “المدن”، أن شركة كارباورشيب لم تحصل على أي دفعة مالية من الدولة بعد إرسال الكتاب.
كما أنها لم تحصل على أي عرض حول آلية الدفع بالدولار والليرة من قبل شركة كهرباء لبنان.
وهذا الأمر غير مطروح، وتبقى المشكلة في احتمال توقف باخرتا الطاقة عن تزويد الطاقة، في حال لم يتم دفع مستحقاتها بالدولار نقداً. ويذكر المصدر بأن شركة كارباورشيب تؤمن 27 في المئة من إجمالي انتاج الطاقة في لبنان.
أي ما يعادل 4 ساعات كهرباء في اليوم.
تعثر خدمات الكهرباء
وكانت إحدى شركات الخدمات المرتبطة بالكهرباء BUS، قد حذّرت من توقف أعمال مقدمي خدمات الكهرباء بسبب تعذّر تأمين الدولارات للحصول على قطع الغيار والصيانة.
وأكد مدير شركة بوتك للصيانة والتشغيل BUS، فادي ابو جودة، في وقت سابق، توقف تنفيذ مشروع نموذجي تأسيسي لتأهيل وتوسيع وصيانة وتشغيل شبكة ونظام توزيع التيار الكهربائي.
والسبب، هو تعذر تجديد الجزء الأكبر من مخزون الشركة من المواد واللوازم الأساسية المستوردة للمشروع، مثل المحولات، ولوحات توتر، وكابلات، وعدادات رقمية، ومواد ولوازم كهربائية، وقطع غيار للصيانة، وغيرها.
وذلك يعني أنه سيستمر توقف المشاريع العائدة لرفع كفاءة الشبكة لمتابعة الحد من الهدر الفني، ولتلبية حاجات التوسع في الإستهلاك، ما لم تتوفر الإمكانات لتحويل الأموال اللازمة.
الدولار والإنترنت
وكما ينص العقد الموقع بين الدولة اللبنانية وشركة كارباورشيب على الدفع بالدولار، كذلك الأمر ينطبق على العقد الموقع لاستفادة لبنان من كابلات الإنترنت البحرية imewe وقدموس، فعلى لبنان سداد اشتراكاته السنوية للاتحاد الدولي للاتصالات بالدولار الأميركي حصراً.
أضف إلى التحذيرات التي أطلقها مؤخراً مدير عام “أوجيرو” عماد كريدية، من الخطر المُحدق بقطاع الإنترنت نتيجة انقطاع الفيول بين الحين والآخر.
وفي حين أكد كريدية أن موضوع الفيول أساسي ويشكل خطراً على الإنترنت، ثمة من يرى أن هناك تهويلاً متعمّداً في هذا الملف. فالإنترنت لا يجب أن يكون مهدداً بأي شكل من الأشكال، خصوصاً أن وزارة الاتصالات تملك حسابين في مصرف لبنان، أحدهما بالدولار والآخر بالليرة.
ويعزو مصدر مطلع على ملف أوجيرو، في حديث إلى “المدن”، التهويل الحاصل فيما خص انقطاع الإنترنت إلى أهداف سياسية وزبائنية، تقوم على عرقلة عمل القطاع العام لصالح الشركات الخاصة.
الدولار والنفايات
وكانت قد خرجت أزمة قطاع النفايات إلى العلن في الفترة الأخيرة، حين أعلنت شركة رامكو أنها لم تعد قادرة على الإستمرار بعملياتها، ضمن نطاق بيروت وقضاء المتن وكسروان، إذا لم تعمد الدولة اللبنانية إلى تسديد مستحقاتها بالدولار الأميركي وفقاً للعقد الموقع معها.
ووفق المعلومات، فإن هذا الملف لم يتم وضع الحلول النهائية له.
ولا تقتصر فواتير الدولار المترتبة على الدولة اللبنانية على الكهرباء والإنترنت.
بل تتعداها إلى خدمات البنى التحتية والصيانة والأشغال وغير ذلك.
من هنا لا بد من طرح سؤال حول مدى قانونية إبرام الدولة عقود مع شركات أجنبية أو محلية بالدولار.
يجيب مصدر قانوني في حديث إلى “المدن” بالقول “من الممكن تحرير العقود بالدولار.
فلا مانع قانونياً.
لكن عادة عندما تبرم الدولة عقداً بالدولار، يُذكر فيه عبارة أن يتم السداد وفق سعر الصرف الرسمي للدولار.
ومن حسن حظ لبنان أن العقود تلك عندما أبرمت كان سعرالصرف الرسمي ثابت وموحد وهو 1507 ليرات.
وبالتالي، يمكن للدولة أن تتمسك بوجه الموردين والدائنين وأن تسدد وفق سعر الصرف الرسمي.
ونظراً إلى رفض الشركات إجراء مصالحات بين الطرفين، مع التأكيد على عدم التوجب على الدولة السداد وفق سعر صرف السوق السوداء… فإن المشكلة ستبدو مستعصية.